هل يمكن أن نراهن على المعارضة التركية فى إصلاح إعوجاج أردوغان وردعه لعدم تسببه فى كوارث جديدة لتركيا؟ أردوغان لا يمتلك صلاحيات رئاسية واسعة، يمكن مقارنتها برئيس الحكومة ورئيس البرلمان، فما زالت الدولة التركية تعتمد النظام البرلمانى، رغم القانون الذى مرره أردوغان نفسه فى الأيام الأخيرة من رئاسته للوزراء، ويقضى بمنح صلاحيات جديدة لرئيس الجمهورية، فى تحول واضح نحو النظام الرئاسى، لا لشئ إلا لإرضاء الطموحات الاستبدادية لأردوغان نفسه. القانون الذى مرره أردوغان وحزبه فى البرلمان التركى، لم يحز على موافقة نسبة الثلثين من النواب، مما يعنى ضرورة إخضاعه للاستفتاء الشعبى حتى يصبح ساريا، الأمر الذى يعنى أيضا أن الدولة التركية مازالت حتى هذه اللحظة تعتمد النظام البرلمانى، وأن محاولات أردوغان اقتناص صلاحيات سياسية هى محاولات غير مشروعة، ويمكن أن تحدث تضاربا فى علاقات تركيا الاقتصادية والسياسية مع دول العالم، خاصة مع الانحيازات المعروفة لأردوغان، ودعمه التنظيمات المتطرفة مثل التنظيم الدولى للإخوان، وجره الدولة التركية إلى صراعات مجانية مع الدول العربية الكبرى والمحورية فى المنطقة. الحكومة التركية نفسها وقعت فى مأزق كبير، عندما طلب وزير الخارجية التركى لقاء نظيره المصرى على هامش اجتماعات الدورة التاسعة والستين للأمم المتحدة، واللقاء كان يستهدف ترميم العلاقات الثنائية التى شهدت تصدعا بسبب سياسات أردوغان المتطرفة، إبان رئاسته للحكومة والتى انعكست بالسلب على التبادل التجارى بين البلدين، وتسببت فى انطلاق دعوات مقاطعة للبضائع، وحركة التجارة والخدمات التركية، ليس فى مصر وحدها، بل فى عديد من البلدان العربية الغنية، ثم جاء أردوغان بحماقاته، وألقى خطابا يتهجم فيه على مصر ونظامها المدعوم شعبيا ورئيسها المنتخب، فى استعادة لجنون عدد من رؤساء العالم الثالث خلال القرن المنصرم. هذا التصرف غير المتزن وغير المحكوم باعتبارات المصالح السياسية الدولية، ألقى بظلال عميقة على رئيس الحكومة التركية «أحمد أوغلو» وقدرته على أداء مهامه، رغم كل ما يقال عن ولائه المطلق للرئيس أردوغان وتواطئه لتدشين النظام الرئاسى التركى بديلا للنظام البرلمانى، لأن أى رئيس حكومة فى تركيا لن يتحمل الخسارة الاقتصادية الناجمة عن تنامى دعوات المقاطعة العربية، حال تنفيذها بالكامل، لمجرد إرضاء نزوات رئيس أقرب إلى الشرفى منه إلى صاحب الصلاحيات الفعلية. من ناحية ثانية تقوم المعارضة التركية بكشف وتعرية أكاذيب أردوغان، والتحذير من الخسائر المتوقعة للدولة التركية نظير السير وراء عناده، فالصحف المحسوبة على المعارضة التركية ومنها صحيفة «آيدنلك» اليسارية، هى من كشفت فضيحة كذب أردوغان بنفى طلب وزير الخارجية التركى لقاء نظيره المصرى، ونشرت الخطاب المرسل من الخارجية التركية يطلب تحديد لقاء رسمى مع الوزير سامح شكرى، قبل أن يعلن شكرى إلغاء اللقاء، ردا على إساءات أردوغان. ويزداد حرج الدولة التركية بالموقف المتزن الذى ينتهجه الرئيس السيسى، فى مواجهة شتائم وتطاول أردوغان، فالرئيس لا يشير إليه بالاسم مطلقا، ويتعمد تجاهله تماما، وأطلق مبدأ تسير عليه السياسة الخارجية والحكومة كلها، أننا فى وضع يجعلنا نركز تماما على أوضاع البلاد والخروج بها من أزماتها مع عدم الالتفات لأى مشكلات شخصية، وهو ما بدأ العالم يتجاوب معه، ويحترمه ويعيد الاعتبار إلى الدولة المصرية وإدارتها الرشيدة، وفى المقابل، يحفر أردوغان قبره بيديه ويتلقى الضربات المتتالية من المعارضة، وهو ما قد نشهد نتائجه فى الاستفتاء على جر تركيا للاستبداد من جديد.