لا أحد يمكنه أن ينكر إنجاز حكومة محلب فى إعادة شوارع وسط المدينة إلى حالتها الحقيقية بعد إزالة التعديات الصارخة من الباعة الجائلين، التى وصلت إلى حد لا يمكن معه استمرار المرور بطبيعته إلى جانب ضياع الجمال المعمارى الذى يميز وسط القاهرة وشوارعها وميادينها.. ولعل هذا النجاح الحكومى الذى أعتبره ليس مجرد إزالة تعديات، بل هى بداية إزالة العشوائيات.. فهى شئنا أم أبينا نموذج مصغر للعشوائيات التى تمثل كارثة مصرية حقيقية.. بدأت من الصفر وتوغلت توغلاً سرطانياً حتى طالت كل شىء من المقابر حتى الأحياء الشعبية حتى الحدائق وبعد أن كانت فى سنوات الثمانينيات تمثل ما يقرب من عشرين فى المائة من السلبيات فى تخطيط المدن. أصبحت فى بدايات القرن الواحد والعشرين تمثل خمسين فى المائة.. ثم تجاوزت حالياً السبعين فى المائة.. وأصبحت فى حاجة سريعة إلى تدمير هذه الظاهرة المخيفة التى هى ليست ظاهرة جمالية فقط بل ظاهرة اجتماعية من شأنها تغيير طبقات المجتمع وضخ أخلاقيات أخرى غير المعتادة وسط مخاوف أخرى من تفاقم المخالفات وكل ما هو وراء القانون، العشوائيات بدأت نتيجة غياب الدولة فى نهاية السبعينيات وانشقاق فى كثير من المتاهات السياسية الخارجية. وكانت الصدمة الأولى هى تفاقم ظاهرة السكن وسط المقابر.. وفشلت المدن الجديدة فى احتواء هؤلاء.. وسط غياب التخطيط السليم واستمرت الأزمة فى سنوات الثمانينيات وحتى يومنا هذا لتشكل واحدة من أكثر السلبيات فى العالم. حيث تمثل العشوائيات المصرية كتلة من المخالفات المتوالدة التى أصبحت على مدى أكثر من أربعين عاما، وطوال هذه السنوات لم تتم أى محاولات ذات أهمية وما تم فقط كانت مجرد محاولات تليفزيونية، تعطى فقط إيحاء أمام العالم أن هناك من يحاول إنقاذ هؤلاء المهمشين. وكانت أولى المحاولات الجادة من المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذى أنشأ وزارة خاصة للعشوائيات وهى خطوة شديدة الجرأة والاقتحام. ولأول مرة نجد من يهتم بهؤلاء المنسيين وتم وضع خطة تستمر أربع سنوات للقضاء على العشوائيات على أن تكون خطة منتجة شاملة.. وإذا كان الشعب المصرى قد أحس بهيبة الدولة بعد نجاح إنقاذ وسط المدينة وتسكين الباعة الجائلين فى أماكنهم الجديدة فى مول الترجمان فإن هذه الخطوة الإنسانية تشير إلى أن الدولة الحالية لا تسعى لحل مؤقت أو ما يسمى بأسلوب المسكنات. ولكنها تسعى للحل الجذرى المبنى على أسس علمية. وقد تأكد أن خطوة مهمة قد تمت لتساند تخطيط المدن وهى تحديد حدود المحافظات بعد قرار زيادتها ثلاث محافظات جديدة. هذا التقسيم الجديد هو بداية حقيقية نحو ترسيم دولة معروفة المعالم والمساحات ولكن أؤكد أن الخطوة الواقعية نحو حل أزمة العشوائيات بدأت منذ أن زار المهندس إبراهيم محلب حى شبرا. وزار منطقتين عشوائيتين فى أول الحى ورسم أسلوب التطوير واضحا جليا.. ولكن هناك مجموعة ملاحظات حول حلول هذه الأزمة حتى ننتهى منها إلى الأبد. ولابد من ربط العشوائيات السكانية بفوضى المحليات والأجهزة التى كانت تعبث فى السنوات الأربعين الماضية ومنها تسربت كل ألوان العشوائيات وهذه منها أيضا فوضى أولاد الشوارع التى تعتبر قنبلة موقوتة لتخريج من هم ضد القانون وهناك أيضا ملحوظة حول تحويل المنطقة العشوائية فورا إلى منطقة سكنية متحضرة.. لأن هذه المساحة فى الأصل ليست قانونية. ولهذا لابد من نقل سكان العشوائيات إلى مناطق أخرى. ولعل النموذج الفردى المصغر لنقل بائعى الشوارع الجائلين إلى منطقة الترجمان. هو النموذج الأمثل للكارثة الكبرى. العشوائيات المصرية!!