تابعت عن كثب ردود الأفعال المتباينة عقب الإعلان عن التقرير الذى أعدته منظمة «هيومان رايتس وواتش» حول أحداث فض اعتصام رابعة فى مثل هذه الأيام من العام الماضى، والحق يقال فإن عدم الحيادية والافتراءات التى فاحت رائحتها من هذا التقرير جعلنى أشعر بالغثيان كما انتابتنى حالة من الغضب من جراء هذا التجاوز والتطاول على الدولة المصرية من جانب منظمة مشبوهة أقل ما توصف به أن ما تقوم به يشبه إلى حد كبير ما يمكن أن نطلق عليه «الدعارة السياسية» فقد كرست تلك المنظمة المشبوهة كل إمكاناتها فى البحث والاستقصاء من أجل خدمة أهداف الجماعة الإرهابية التى حكمت مصر على مدى عام كامل ولم نر منها إلا المزيد من الخراب والدمار والتدهور فى شتى مجالات الحياة.
إن ما فعلته منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية لا يجب أن يمر هكذا مرور الكرام ولا ينبغى السكوت عليه لأنها بهذا التقرير «غير المحايد» عن فض اعتصام رابعة وما جاء به من اتهامات لأجهزة الأمن بالقيام بتجاوزات فى حق المعتصمين لم يكن مطابقا للحقيقة التى كانت ظاهرة رأى العين لكل من يمتلك عقلا رشيدا، كما أن التقرير اتسم بالسلبية والتحيز فى تناوله لأحداث العنف التى شهدتها مصر خلال العام 2013، وتجاهله للعمليات الإرهابية التى ارتكبها تنظيم الإخوان الإرهابى وأنصاره الذين كانوا يتلقون تمويلا من قادة جماعة الإخوان لتنفيذ عمليات تخريبية وعمليات إرهابية تستهدف خلق حالة من الفوضى فى المجتمع.
وأعتقد أن الأمر لم يخل من وجود مؤامرة تستهدف خلق حالة من الفوضى داخل مصر فى ذكرى مرور عام على فض اعتصامى رابعة والنهضة إذ إن ما أورده من توصيفات وسرد للوقائع التى حدثت خلال شهرى يوليو وأغسطس 2013 يعكس بوضوح ليس فقط عدم مهنية كوادر المنظمة بالاعتماد على شهود مجهولين ومصادر غير محايدة وغير موثوق بها، بل تؤكد على انفصال واضعى التقرير تمامًا عن واقع المجتمع المصرى وتوجهاته الفكرية والسياسية خلال السنوات الثلاث الماضية، بل ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ظهور التقرير فى هذا التوقيت على وجه الخصوص ربما جاء كرد أمريكى على الزيارة المهمة التى قام بها الرئيس السيسى إلى روسيا التى بكل تأكيد سوف تغير كثيرا من خريطة التوازنات الدولية فى المنطقة خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية أبدت انزعاجا شديدا من هذا التقارب المصرى الروسى الذى ظهر جليا فى الزيارة الأولى التى قام بها السيسى حينما كان وزيرا للدفاع واكتملت صورته فى زيارته لها وهو رئيس للجمهورية.
كما أننى على قناعة تامة بوجود «شبهة تآمر» حول التوقيت الذى اختارته المنظمة الأمريكية لإعلان تقريرها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر وهو نفس التوقيت الذى اختاره من يطلقون على أنفسهم «تحالف دعم الشرعية» لعقد مؤتمر فى الذكرى الأولى لفض اعتصام رابعة، وهو ما يشير إلى أن المنظمة لا تزال تستكمل دعمها لجماعة الإخوان التى تم حظرها فى مصر وفى العديد من الدول العربية.
ولم يكتف القائمون على التقرير بإغفال العديد من الجوانب التى تخص الدولة المصرية بل أوردت الكثير والكثير من المغالطات، مشيرة إلى أن ما جاء فى التقرير يستند إلى تحقيق استمر عاما كاملا، فى البحث والاستقصاء حول ما وصفته بوقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لما لا يقل عن 1150 متظاهرا بأيدى قوات الأمن المصرية فى يوليو وأغسطس عام 2013، مما يجعلنا نضع أيدينا على أول الخيط فى المؤامرة وهو أننا أمام جهة غير محايدة على الإطلاق حيث إنها فى هذا التقرير الذى أراه تقريرا «سيئ السمعة» قد تغاضت عمدًا عن الإشارة إلى وقوع المئات من شهداء الشرطة والقوات المسلحة والمدنيين من جراء أحداث العنف والإرهاب التى كانت وما تزال مستمرة إلى الآن عن طريق هجمات وتفجيرات منسقة ومنظمة على يد من وصفهم التقرير بـ«المتظاهرين السلميين»، أما الفضيحة الكبرى لهذا التقرير «المشبوه» فأنه أغفل وبشكل متعمد أن أول من سقط خلال فض الاعتصام هو شهيد من الشرطة أُصيب بطلق من سلاح نارى، حيث كان مكلفا بتوجيه المعتصمين عبر مكبر صوت للخروج الآمن من منطقة الاعتصام مما يجعل التقرير يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية فى سرد الأحداث.
واللافت للنظر أن التقرير قد أغفل أيضا كل الحقائق الواردة فى تقارير أخرى لمنظمات المجتمع المدنى المصرية وتقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها المجلس القومى لحقوق الإنسان، التى تناولت الإجراءات التى اتُخذت من جانب السلطات المصرية بشكل موضوعى، حيث إن فض الاعتصامين قد تم بناءً على قرار من النيابة العامة، وبعد مناشدة ومنح المعتصمين فرصة للخروج الآمن وتوفير وسائل مواصلات لنقلهم خارج منطقة الاعتصام، والتزام كل جهات إنفاذ القانون بالقواعد القانونية والمعايير الدولية والأخلاقية المتعارف عليها فى فض مثل هذه الاعتصامات.
وبعيدا عن توجهات تلك المنظمة الأمريكية وسعيها للانحياز إلى جانب جماعة إرهابية وبعيدا عن «حرق دم» الإدارة الأمريكية بسبب زيارة الرئيس السيسى إلى روسيا فإن أبسط قواعد البحث العلمى تفرض على من شارك فى إجراء هذا البحث الذى استند إليه التقرير أن يرصد وبشكل أمين ما قامت به الدولة المصرية ممثلة فى «الحكومة» آنذاك من إجراءات ومحاولات لفض الاعتصام باستخدام كل الطرق والوسائل المتعارف عليها دوليا، وهو ما يجعلنى أكرر التساؤل: لماذا أغفل التقرير أن الفض جاء بعد فشل كل الجهود السياسية والشعبية فى إقناع المعتصمين بالفض السلمى حفاظا على الأمن والنظام العام عقب تفاقم شكاوى واستياء السكان المقيمين بالمنطقة من اتخاذ المعتصمين لموقعى الاعتصام مُنطلقا لتنظيم المسيرات غير السلمية شكلت بؤرة إجرامية، الأمر الذى ترتب عليه ترويع الآمنين والاعتداء عليهم واستهداف المرافق الحيوية بما يمثل انتهاكا للعديد من حقوق الإنسان والحريات الأساسية.. أليست هذه من صميم حقوق الإنسان التى تحتمى بها تلك المنظمة المشبوهة؟.. أليست حقوق المواطنين القاطنين فى هذه المنطقة يجب أن تصان وأن تضمن لهم الدول حياة آمنة داخل مساكنهم التى أصبحوا كالسجناء بداخلها بسبب احتلال تلك الجماعة الإرهابية لمداخل ومخارج العمارات فى هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها؟.
وحينما نقرأ ما جاء فى هذا التقرير فإننا نجد أنفسنا أمام حرب من نوع خاص فهى حرب شديدة الخطورة لأنها تعتمد على أسلوب «الضرب أسفل الحزام»، فالتقرير وبما تضمنه من افتراءات على الدولة فى هذا التوقيت شديد الحساسية، يشير إلى أنه مخطط بدقة ويهدف إلى إعادة تصدير المشاكل إلى مصر مجددا، كما أنه جاء لإجهاض أى محاولة لبناء الدولة القوية التى ستكون قادرة على استرداد مكانتها الدولية والإقليمية فى القريب العاجل بإذن الله طالما فيها رجال شرفاء يحبون هذا البلد من قلوبهم ويتعلقون به بإخلاص شديد.. وطالما فيها رجال يحملون بين ضلوعهم قلوبا لا تعرف الخوف ولا تخشى فى الله لومة لائم.