الرجال المخلصون لأوطانهم، هم فقط القادرون على كتابة تاريخ تلك الأوطان، وهم وحدهم الذين يمتلكون مفاتيح العبور بأوطانهم إلى آفاق أرحب والوصول بها إلى المكانة التى يستحقونها والتى تليق بهم بين شعوب العالم.. هكذا فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى، فبزيارته التاريخية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركته فى الدورة الـ 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة استطاع أن يعيد صياغة حجم ومكانة مصر بل والمنطقة العربية بالكامل فى نظر العالم أجمع، فقد استطاع وبقدرات فائقة أن يزيل الكثير والكثير من الأفكار الخاطئة التى كان العديد من الدول تتعامل على أساسها مع مصر ومع المنطقة العربية أيضا، وهى الصور المغلوطة التى دأبت بعض الدول الغربية على رسمها لنا عن عمد وعلى وجه الخصوص فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وذلك بسبب نجاح الجماعة المحظورة فى اختراقها العديد من وسائل الإعلام الغربية وإغراء بعض الأقلام المشبوهة بالمال الحرام. قد لا أكون أول من كتب معلقاً على زيارة الرئيس السيسى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع فإننى لن أكون الأخير، فالزيارة تعد وبكل المقاييس نقلة نوعية فى التحرك المصرى نحو العالم ونقطة فارقة فى عمر الوطن، جاءت لتعبر بصدق عن مرحلة جديدية تماماً من التحرك الدبلوماسى المصرى، فى ظل دولة قوية تتشكل الآن وتسير بخطى واثقة نحو استعادة دورها المحورى على المستويين الإقليمى والعالمى أيضا. لذا فقد انتابنى شعور بالفخر والاعتزاز بوطنيتى وبرئيسى الذى استطاع أن يجعل كل مصرى سواء داخل البلاد أو خارجها يشعر بالفخر أمام العالم كله بل ويزهو من الفخر بأن رئيسه عبدالفتاح السيسى فى تلك الزيارة المحورية قد رفع راية مصر أمام العالم كله، وأكد للجميع أن مصر دولة مستقلة لا تقبل أى تدخل من أى جهة أو دولة فى شؤونها الداخلية، فقد استطاع الرئيس أن يقدم جميع الحقائق التى تدور داخل مصر وخارجها بكل شجاعة وقوة، وكشف عن الأكاذيب والافتراءات التى يدعيها البعض لتشويه صورة الأوضاع الداخلية فى مصر، فحظى خطابه بقدر عالٍ من الاحترام والإعجاب، والفخر بعودة مصر كما يتمنى أبناؤها بقيادة زعيم قوى، يتحدث فيستمع إليه العالم. لقد أضاف الرئيس السيسى لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة «النكهة المصرية» بهتافه لأول مرة داخل جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة لتمجيد وطنه بقوله «تحيا مصر»، وترديد عدد من الحضور خلفه لهذا الهتاف الذى خرج من القلب ليرشق فى قلوب كل من تابعوه وسمعوه، سواء فى داخل القاعة أو المتابعين للجلسة عبر وسائل الإعلام، وأخص بالذكر وفد دولة الإمارات العربية الشقيقة الذى كان تشجيعه للرئيس لافتا للأنظار، وأعتقد أن ترديد الرئيس لهذا الهتاف واقعة تحدث لأول مرة فى تاريخ الأمم المتحدة، وهو أمر يحسب له، وبالطبع سيسجله له التاريخ، ليظل شاهداً على جسارته وقدرته الفائقة على نقل مشاعره تجاه وطنه أينما ذهب. وكأن السيسى كان على موعد مع القدر ليعيد أمجاد وطن كبير فى حجم ومكانة مصر التى قادها حظها العاثر أن تتعرض لكل تلك المحنة التى عاشتها على مدى عام كامل فى ظل حكم فاشى مستبد، فقد استطاع الرئيس أن يوضح للعالم أجمع سعى الإدارة المصرية لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، تبتعد عن قوى الظلام والتشدد والتخلف، حيث جاءت عباراته السلسة وكلماته الرشيقة والبسيطة لتدحض كل محاولات التنظيم الدولى للإخوان الرامية إلى تدويل قضيتهم الزائفة، وتصوير وضعهم فى مصر على أنهم يتعرضون لأقصى درجات الاضطهاد. وقد لا يكون خافياً على أحد أن الخلفية العسكرية للرئيس السيسى هى التى جعلت من لغته فى الكلمة التى ألقاها نيابة عن مصر وعن المنطقة العربية بالكامل فى قمة المناخ يبدو فيها من موقع القوى والمنتصر، صاحب الرؤية لمواجهة الإرهاب، والملم بكل ما يحيط ليس بمصر فقط ولكن بالمنطقة العربية أجمع من مخاطر ومشكلات فى العراق وسوريا، كما أن المطالبة بأن تكون مصر عضوًا فى مجلس الأمن، يكشف وبشكل لافت للنظر كيف يفكر الرئيس، وبماذا يحلم لمصر وشعبها من أجل الدخول إلى مصاف الدول صاحبة القرار فى العالم، وهو مطلب مشروع وعادل لبلد فى حجم مصر، صاحبة أقدم حضارة عرفها التاريخ. أعتقد أن التحليل الدقيق لكلمة السيسى التى أبهرت العالم أجمع وليس مصر والمنطقة العربية فقط يتلخص فى أمرين أراهما فى غاية الأهمية، الأول أنه قدم نفسه ولأول مرة للعالم من خلال التفاف شعبه حوله بكل هذا الحضور اللافت للنظر، سواء فى مصر أو من خلال الجاليات المصرية فى الخارج، وهو ما يترجم وبشكل كبير ما يمكن أن نطلق عليه «شرعية 30 يونيو»، ثم إنه قدم مصر الجديدة فى هذا المحفل الدولى المهم بنفس المفردات اللغوية التى يتفهمها الغرب، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأى دون إقصاء لأحد، بينما الأمر الثانى من كلمة الرئيس تناوله وبحرفية عالية لتعريف شامل للإرهاب والطائفية، حين أكد أنها خرجت فى بداية عشرينيات القرن الماضى عن طريق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، مع شرح خطورتها على كوكب الأرض بوجه عام، وأنها لا يمكن أن تكون خياراً لتعريف الدين الإسلامى وسماحته، وبذلك فإننى أراه قد أصاب الهدف مباشرة وبشكل يدعو إلى الإعجاب والتقدير على هذه الحنكة فى التعامل مع الأشياء ببراعة واقتدار. وهناك أمر فى غاية الأهمية فى تلك الزيارة يتمثل فى دعوة الكثير من دول العالم للرئيس السيسى لكى يزورها، فذلك يعكس تغيراً إيجابياً واضحاً فى الموقف العالمى تجاه مصر، فقد طلب حوالى 40 رئيس دولة لقاء الرئيس المصرى السيسى، وبالطبع فإن كل هذه اللقاءات من شأنها أن تقوى علاقات مصر الخارجية وتزيد من متانة العلاقات السياسية وتزيد من التعاون الاقتصادى والتجارى بين مصر ودول العالم. وفى هذا الصدد أتوقع أن تشهد علاقة مصر مع دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول العالم الثالث عموما مزيداً من التعاون والتقارب، فدول العالم الثالث ودول أمريكا اللاتينية ودول أفريقيا، بالإضافة إلى الدول العربية كانت الأكثر سعادة من مشاركة مصر القوية فى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهو ما انعكس فى التصفيق القوى الذى قابلت به وفود تلك الدول كلمة رئيس مصر، ولم يكن هذا التصفيق سوى تعبير عن سعادة تلك الدول بعودة مصر إلى مكانتها الإقليمية والدولية.. وهذا ليس جديداً على تلك الدول أن تتعامل مع مصر بكل هذا الاحترام والتبجيل، فمصر تمثل قيادة تاريخية لدول العالم الثالث فهى التى أنشأت منظمة عدم الانحياز ومجموعة الـ77، ولهذا فإن عودة مصر لدورها الإقليمى والدولى يصب فى صالح كل دول العالم الثالث، وهو أمر تدركه تماماً وتعيه جيداً تلك الدول. ولأن حرص الرئيس على إعادة كتابة تاريخ مصر من جديد لا يعتمد فقط على التحرك الخارجى، وحسب بل نراه دائما يحرص كل الحرص على الداخل، وأن يعيد منظومة العمل الوطنى من أجل خلق جيل جديد قادر على حمل الراية، وقادر على تولى شؤون قاطرة التنمية التى يضع عليها آمالا جساما، فقد رأيناه فى خطابه المهم فى جامعة القاهرة مساء الأحد الماضى ليس مجرد كلمة احتفالية، بل إنه جاء بمثابة خطة عمل ومنهج حياة يعتمد عليه من أجل خلق جيل جديد يستند إلى أسس ومفاهيم ومعايير جديرة بأن تجعله قادرا على تحقيق الهدف المنشود، وهو أن يكون الشعب المصرى فى المستقبل فى مصاف الشعوب المتقدمة، فها هو يؤكد على ضرورة منح الشباب %50 من المشاركة فى المجالس القومية المتخصصة التى تتبع رئاسة الجمهورية بشكل مباشر. فالشباب وكما يراهم الرئيس هم الثروة الحقيقية التى تملكها مصر، وهم الذين تضع عليهم الدولة الآمال للمرور بالأزمات من أجل المستقبل المشرق، خاصة أن مصر بدأت مرحلة جديدة وجادة على طريق البناء والتنمية، بإطلاق مشروعات قومية عملاقة فى مجالات متنوعة تبنى بسواعد وطاقات أبناء مصر، ومن أجل كل هذا وذاك فإن الرئيس قد وجه الدعوة إلى كل شباب مصر أن يثقوا فى قدراتهم لتحقيق الحلم المصرى والإقبال على الحياة العلمية بروح طامحة. أقولها وبكل الصدق إن مصر التى يغزل نسيجها الآن الرئيس السيسى بخيوط الفخر والعزة والكرامة والأمل فى المستقبل، هى مصر التى تتحدث عن نفسها كما قال عنها شاعر النيل حافظ إبراهيم فى قصيدته الشهيرة «مصر تتحدث عن نفسها»، وهى أيضا مصر التى أصبحت لا تتحدث عن نفسها فقط بل تتحدث عن المنطقة العربية بالكامل. وهذا ليس جديداً على بلد يرأسه الزعيم عبدالفتاح السيسى.