احتفلت هيئة الرقابة الإدارية بمرور نصف قرن على تأسيسها، احتفالاً غاية فى البساطة، تمثل فى بعض أحاديث للصحافة المصرية، والتقى السيد رئيس الجمهورية الأسبوع الماضى بأعضاء هيئة الرقابة. تأسست هذه الهيئة سنة 1964، زمن الرئيس عبدالناصر، ومرت بفترات من المد والصعود وأخرى من الجزر والتضييق عليها، وكاد أن يُعصف بها نهائياً زمن الرئيس السادات، فى سنواته الأخيرة تحديداً.. وكثير من قضايا الفساد التى كشفت وذاع أمرها، كان بفضل جهود رجال تلك الهيئة، ولعلنا نذكر قضية الراحل «عبدالوهاب الحباك» الذى كان أحد أقطاب القطاع العام والحزب الوطنى زمن مبارك، وأمسكت به الرقابة بخيط بدأ بثرثرة سيدة حوله فى نادى الجزيرة، وتلتها القضايا مثل قضية أسامة عبدالوهاب ومحمد الوكيل وآخرين، وتحولت الهيئة فى سنوات مبارك إلى المنقذ من الفساد الإدارى والمالى، فى نظر كثير من المواطنين.
ورغم هذا التاريخ الطويل فلن تجد فى المكتبة المصرية والعربية كتاباً واحداً عن هذه الهيئة يرصد ما قامت به، وأشهر العمليات التى حققتها، فضلاً عن تلك التى أخفقت فيها، وماذا عن معوقات العمل التى تواجه أعضاءها، أعرف أن الهيئة تجمع المعلومات وتجهز الملفات أما تحريك القضايا فهو شأن آخرين، رئيس الحكومة والوزير المختص الذى تقع الملفات فى نطاق مسؤولياته، وربما رئيس الدولة حينا.
ولولا الرقابة الإدارية ربما ما كنا نعلم شيئاً كثيراً عن الفساد فى الإدارات المحلية ودواوين المحافظات، ذات مرة عزل محافظ للبحر الأحمر، ويوم عزله سربت رئاسة الجمهورية إلى رؤساء تحرير الصحف القومية تقرير الرقابة الإدارية بفساد قرارات ذلك المحافظ فى تخصيص الأراضى للأقارب وللمحاسيب وأصحاب الحظوة، ورغم أن التقرير كان دامغاً بضرورة محاكمة ذلك المحافظ، فإن الأمر لم يتجاوز حد عزله من منصبه، واعتبر ذلك عقاباً كافياً، ولم يساءل أى من الذين تم تخصيص الأراضى لهم. وفى حالات أخرى أعدت تقارير حول سلوك وفساد بعض المسؤولين ولم يتخذ أى إجراء ضدهم، وقبل حوالى عشر سنوات حدثنى أحد رجال الرقابة فى تقرير نقب وراءه وأكد بالدلائل فساد مسؤول حزبى كبير، ولم ينظر أحد إلى جهده، بل طلب منه أن ينسى الأمر برمته.
الهيئة تتعامل مع المؤسسات الحكومية المدنية وفى قضايا المال والملكية العامة، ورغم ذلك تفرض ستاراً حديدياً على ما تقوم به، قد يكون ذلك الستار مفهوماً فى حالة المخابرات العامة، وقد يكون مفهوماً أن تفرض الرقابة سرية تامة على أعمالها الآنية، لكن ليس مفهوماً أن تفرض سرية تامة على كل عملياتها، حتى وإن مرت عقود على بعضها، الغريب أن الأجهزة الرقابية فى معظم دول العالم تسقط السرية عن بعض عملياتها وأدوارها بعد مرور وقت معين، لكن عندنا باتت السرية طابعاً مؤسساً للجهات الرقابية، حتى لو تعاملت مع المدنيين وفى قضايا عامة، هذا التعتيم على دور الهيئة، جعل بعض المهتزين نفسياً يتصورون الهيئة مكاناً للشكاوى الكيدية وتفريغ الأحقاد أو الإحن الخاصة تجاه زملاء أو رؤساء لهم. وهناك سؤال كبير كيف ازداد الفساد رغم وجود الهيئة وماذا لو لم تكن موجودة؟!!
من العيب أنه بعد مرور نصف قرن على تأسيس وعمل هيئة الرقابة لا نعرف عنها إلا النزر اليسير أو بعض ما ينشر فى صفحات الحوادث، ليس صحياً ولا صحيحاً إضفاء الغموض والسرية على نصف قرن من العمل، فضلاً عن أنه تجهيل لعموم المواطنين بعمل ودور هيئة تقوم على حماية المال والممتلكات العامة وحماية مؤسسات الدولة من الفساد.