عقب هزيمة يونيو 1967 خاضت مصر «حرب الاستنزاف»، التى استمرت حتى وقف إطلاق النار فى أغسطس سنة 1970، وكانت حرباً قاسية لأن العدو الإسرائيلى عمد إلى مهاجمة المدنيين بطائراته، الفانتوم، أسطورة ذلك الزمان، تحمّل المصريون هذه الحرب وتحملوا خسائر فادحة، لكنهم لم يسمحوا لعدوهم أن ينتصر عليهم، ومنذ أكثر من عام يخوض المصريون حرب استنزاف ثانية، هذه المرة لا تشنها الصهيونية العالمية بل التنظيم الدولى للإخوان وجماعة الإخوان فى مصر.
فى حرب الاستنزاف الأولى كان الهدف أن ينسى المصريون سيناء ويقبلوا إلى الأبد بانتزاعها منهم ولا يحاولون استعادتها، وتقوم حرب الاستنزاف الثانية على ضرورة نزع سيناء من مصر لتقام عليها إمارة يحكمها الإخوان أو وكلاء لهم وفصيل منهم يحمل اسماً آخر.. ولدى الصهيونية العالمية وإسرائيل كان الجيش المصرى هو الهدف الأول وهو كذلك لدى التنظيم الدولى وجماعة الإخوان.
وفى الحرب الأولى كان ضرب الاقتصاد المصرى هدفاً رئيساً بالإغارة على مصنع أبوزعبل ومحاولة ضرب محطة الكهرباء فى نجع حمادى، وفى الحرب الثانية التى نشهدها الآن، هناك استهداف لكل أبراج الكهرباء فى مصر، 300 عملية خلال شهر واحد، بواقع عشر عمليات كل يوم لتفجير أبراج الكهرباء، وهو ما لم تقدم عليه إسرائيل فى الحرب الأولى كما أنها لم تقدم على تفجير القطارات كما يفعل الإخوان فى أنحاء الجمهورية.
وفى الاستنزاف الأولى كان ضباط وجنود الجيش هم الهدف فقط من رجال الدولة، لكن فى حرب الإخوان أضيف إلى رجال الجيش رجال الشرطة والقضاء والإعلاميون، وما حدث فى مذبحة كرداسة لم نشهد له مثيلا فى حروبنا السابقة، وفى المنيا تم الاعتداء على ضابط شرطة ونقل إلى المستشفى، وطلب المسكين كوب ماء قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فقدم له الطبيب الإخوانى كوبا من «مية النار»، وهو ما لم يحدث من قبل فى الحروب السابقة.
ولم تقدم إسرائيل فى حرب الاستنزاف الأولى على تدمير مسجد أو كنيسة ولا إحراق المتاحف، بينما فعلها الإخوان فى حرب الاستنزاف الثانية فأحرقوا تماماً عدداً غير قليل من الكنائس التاريخية فى الصعيد وعددا من المساجد، أبرزها مسجد رابعة العدوية، وأحرقوا متحفاً بأكمله فى المنيا، ومن قبل أحرقوا متحف مصطفى كامل.
كُتبت علينا الحرب ولا مفر من خوضها، والعدو هذه المرة أشرس وأخطر لأنه نائم داخلنا وليس خارجنا، وهو يخترق مؤسسات الدولة، والنموذج أمامنا وزارة الكهرباء وقبلها اغتيال المقدم مبروك، ولا غرابة فى الأمر، ذلك أن العدو متشابه إلى حد كبير فى الحربين، ومن يراجع الأسس الأيديولوجية للصهيونية ولإسرائيل فسوف يجد أنها تتشابه مع أسس الإخوان وأفكارهم، الصهيونية، قامت على قاعدة شعب الله المختار ومن تلك القاعدة انطلقت أفكار حسن البنا، فهناك البشر وأمامهم الإخوان، الفارق الجوهرى أن الصهيونية قامت لتختلق دولة وتخترع وطناً، أما الإخوان فقامت لتسقط الدول وتقضى على الأوطان لصالح تصور اسمه الخلافة.
أياً كان الأمر، نحن نخوض حرب الاستنزاف الثانية التى تفوق فى خسائرها خطورة العدو فى حرب الاستنزاف الأولى، ولا بديل عن أن نمنع الآخر «العدو» من الانتصار علينا.