سألت د. صابر عرب، وزير الثقافة، عن حجم الأضرار فى محتويات مبنى دار الكتب الملاصق لمبنى المتحف الإسلامى من جراء تفجير السيارة المفخخة، وجاءت إجابته أن كل الترميم والتجديد الذى أجرى فى المبنى قبل خمس سنوات قد دمر تماماً، ولم يستوقفنى ذلك، فهذا متوقع ولكن يمكن تعويضه، ما لن يتم تعويضه هو الخسائر فى محتويات المبنى، الذى خصص للمخطوطات ونوادر المطبوعات بدار الكتب، وجاء هذا التخصيص بعد حيلة صحفية منذ حوالى عشرين سنة، كنت واحداً من الذين أثاروها، خشية وجود المخطوطات بمبنى الدار على كورنيش النيل، حيث رطوبة الجو، مما يهدد المخطوطات، قال لى السيد الوزير إن ثلاث برديات بالدار تأثرت، إحداها دمرت تماماً والثانية نسبة التدمير بها كبيرة، لكن يمكن بمجهود كبير وتقنية عالية أن يتم ترميمها والثالثة نسبة التدمير أقل.. وبالنسبة للمخطوطات قال إن هناك سبع مخطوطات أصيبت إصابات بالغة، بينها مخطوطة تلفت تماماً.
لا البرديات تعوض ولا المخطوطات، والمشكلة أنه قد لا توجد نسخ أخرى منها، وأتمنى أن تكون هناك صور منها، وهذا ميراث مصرى وعربى وإسلامى، وفوق ذلك هو ميراث إنسانى تم إهداره، فإذا أضفنا إلى ذلك حجم الضرر بالمتحف الإسلامى لعرفنا حجم الجريمة التى تمت. وزير الآثار د. محمد إبراهيم ذكر أن 74 قطعة أثرية إسلامية دمرت تماماً، وأن هناك أكثر من ستين قطعة فى حاجة إلى الترميم.
لابد أن ندرك حجم ما جرى، لأن الإعلام حول العملية إلى عملية مبنى مديرية الأمن، وهى ليست على هذا النحو، هى عملية المتحف الإسلامى ودار الكتب، ولابد أن نذكر ذلك، ليعرف الجميع حقيقة جماعة «إخوان هولاكو» الذين يريدون تدمير العقل والحضارة الإنسانية فى مصر كما فعل أسلافهم فى بغداد.. وها هى الجريمة تتكرر على أرض مصر، وأتمنى لو أن مجلس الوزراء شكل لجنة تقوم برصد جرائم «إخوان هولاكو» بحق التراث المصرى والعربى والإنسانى كله.
مصر وحدها من بين البلاد الإسلامية التى تمتلك هذه البرديات، والتى تمثل الانتقال والعبور من الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية) بكل عظمتها إلى مرحلة الحضارة العربية والإسلامية، لذا فإن تدمير هذه البرديات جريمة إنسانية بكل المقاييس.
إن مصر ومعها البلدان العربية والإسلامية، فضلاً عن الشعوب المتحضرة فى العالم كله، تتصدى منذ سنة 1969 لمحاولات إسرائيل المساس بهوية المسجد الأقصى والآثار الإسلامية والمسيحية فى فلسطين، باعتبار ذلك اعتداء على ميراث روحى وثقافى للإنسانية كلها، وتصدت مصر وغيرها من دول العالم لمحاولة مجانين طالبان فى أفغانستان تدمير تماثيل بوذا، وها نحن اليوم فى مصرنا العظيمة نواجه الجنون نفسه على أيدى جماعة «إخوان هولاكو»، لقد تحركت منظمة اليونكسو من اللحظة الأولى لجريمة المتحف الإسلامى ومبنى دار الكتب، لكن لم نتحرك نحن بعد لتوثيق الجريمة وتحديد مداها باستهداف التراث الإسلامى ومن قبله التراث القبطى، ثم التراث المعاصر أيضاً، يجب أن نرصد ونوثق ما جرى بالكامل، عدد المبانى التى دمرت والمحتويات من قطع أثرية ومخطوطات وبرديات، وأن ينشر ذلك على نطاق واسع عالمياً، هذا التراث يخصنا نعم، لكنه يهم الإنسانية كلها. حين احتلت ألمانيا النازية باريس، لم يجرؤ الجنرال الألمانى النازى الذى تسلم باريس أن يقترب من متحف اللوفر ولا من المكتبة الوطنية الفرنسية، ولما دخل الجنرال سيمور القاهرة محتلاً سنة 1882 لم يقترب من المخطوطات العربية فى دار الكتب.
كان قدر مصر التاريخى أن تتصدى لهولاكو وجيشه وتسقطه لتنقذ الحضارة الإنسانية من شر مستطير، والآن تفرض علينا الضرورة التاريخية أن ننقذ الحضارة الإنسانية من إخوان هولاكو.