الاخطر من الحرب بقلم حلمى النمنم

أعلنت إسرائيل، مساء السبت، قبولها مد الهدنة فى غزة لمدة أربع ساعات إضافية، ولم تقبل حماس بالمد وبادرت بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، والواضح أن الأزمة تدخل فى طريق مسدود على طريقة البيضة أو الدجاجة، حماس تريد وقفاً مشروطاً للقتال، وإسرائيل ومعها مساندة أمريكية وأوروبية قوية تريد وقفاً للقتال مشروطاً أيضاً، وكل طرف يريد الاستجابة لشروطه أولاً.. شروط حماس فتح المعابر وإنشاء مطار فى غزة وميناء على البحر، وإسرائيل تريد هدم الأنفاق والتعهد بعدم مهاجمتها بالصواريخ التى لا تصيب بشراً ولا حجراً، وتفكيك البنية العسكرية للفصائل داخل غزة، وكل طرف يصر على شروطه وإذا لم تتم الاستجابة لها فسوف يحاسب أمام الرأى العام، إذا لم يحقق الفلسطينيون فى غزة مكسباً، فسوف يحاسبون حماس: لماذا كان التصعيد؟ ومن يتحمل مسؤولية استشهاد أكثر من ألف مدنى فلسطينى؟ أما إسرائيل فبدأت المحاسبة فعلاً: كيف سمحت الحكومة هناك بإنشاء الأنفاق أصلاً، وكيف، وكيف..؟!
بإزاء هذا هناك عدة احتمالات، معظمها ليس إيجابياً ولا جيداً للقضية الفلسطينية، أولها أن تشعر إسرائيل بأنها أنجزت هدفها من الحملة بتدمير القدرة العسكرية لحماس، فتقوم بوقف القتال من جانبها، وهذا لو حدث، يحرم أهالى غزة من الحصول على أى مكسب.
الاحتمال الثانى: أن يتم وقف القتال باتفاق بين الطرفين ورعاية دولية، يعقبه تفاوض بشكل غير مباشر عبر وسطاء، أو مباشر، وهذا التفاوض سوف ينتهى غالباً إلى رفع للحصار مقابل إنهاء المقاومة، هذا إذا أراد الطرفان هدنة موقعة وقد يتطور الأمر إلى سلام دائم بين الطرفين.. وهنا تبدأ المشكلة الكبرى، مثل: من الذى سيوقع مع إسرائيل؟ والأغلب حماس وليس السلطة الوطنية، وهذا يعنى إقامة سلام بين حكومة أو سلطة غزة والدولة العبرية.
ويتحول الأمر إلى مجرد هدف سلطوى لدى حماس، أهدرت فى سبيله دماء الفلسطينيين، وإذا وقعت إسرائيل هدنة دائمة مع حماس واستراحت مما تعده صداع غزة، هل يصبح بعد ذلك هناك مجال أو احتمال للحديث عن دولة فلسطينية، أم أننا سنكون بإزاء إمارة غزة تحكمها حماس واتفقت مع إسرائيل، والسلطة الوطنية تحكم الضفة.
قد لا يصل الأمر بين حماس وإسرائيل إلى معاهدة سلام، بل يقتصر على هدنة دائمة لمدة عشر سنوات أو أكثر، ولا تتمسك إسرائيل بالمطلب الذى أعلنه الاتحاد الأوروبى وهو تفكيك البنية العسكرية فى غزة.. وهنا يرتد إلينا السؤال ثانية: ما هو دور كتائب القسام وتسليحها فى حالة ما إذا صارت إسرائيل شريكا فى هدنة دائمة أو سلام؟ عادة لابد للقوة العسكرية من استقتال ومن دور تقوم به، ترى هل تكرر حماس ساعتها تجربة حزب الله، ذلك الحزب توقف منذ حرب 2006 عن العداء لإسرائيل، فكان أن اتجه سلاح الحزب وقوته العسكرية إلى الداخل اللبنانى ثم إلى سوريا، ترى هل تعيد التجربة نفسها، فنجد قوة القسام تتجه إلى الداخل الفلسطينى، ولن يكون أمامها سوى سلطة أبومازن ومهاجمة رام الله مثلاً، أو تتجه إلى الجيران، ولن يكون أمامها سوى سيناء ومصر، خاصة أن الامتداد إلى سيناء طموح لديهم، ومشاعرهم عدائية تجاه الدولة المصرية.
أكتب هذا الكلام فى الساعات الأولى من صباح الأحد، وأتحدث فيه عن مجموعة من الاحتمالات قد يتحقق أحدها، وقد لا يتحقق منها شىء، ولكن يجب أن نكون متحسبين للمستقبل، فالواقع بالغ السوء، وقد نجحت إسرائيل وحماس معاً فى اختزال القضية الفلسطينية وإنهاء المشروع الوطنى الفلسطينى ليصبح حلم غزة فقط، الآن العالم كله يتحدث عن غزة، ونُسيت كلمة فلسطين وحلم الدولة الفلسطينية، وفى ذلك فوز كبير لإسرائيل.
كان القرن العشرون قرن ضياع فلسطين وإقامة دولة إسرائيل.