عندما وقعت هزيمة ٦٧، شعرنا جميعا بخزى وعار وانكسار.. سكت الكلام.. كنا كشباب فى أمس الحاجة إلى البكاء، لكن الدموع أصابها الجفاف.. تجمدت فى مآقينا.. غلبتنا الحيرة والإحساس بالضياع.. القسوة والمرارة كانت تعتصر قلوبنا.. نظراتنا كانت زائغة تبحث عن شىء غير موجود أو مفقود.. منذ اللحظات الأولى للحرب، علمنا أن الجيش المصرى لم يحارب معركته.. انكشف كل شىء، وهوى الحلم الجميل الذى عشنا فيه زمنا، لم يكن فقط إحساسا بالهزيمة، لكن بالخديعة أيضا، فقد صوروا لنا أننا قادرون خلال ساعات على إلقاء عصابات بنى صهيون فى البحر(!)
مع ذلك، لم يمض على الهزيمة سوى أيام، ففى ١ يوليو ٦٧، كانت معركة «رأس العش»، وبعدها بيوم واحد معركة «رأس العين»، حيث أثبت المقاتل المصرى أنه قادر على الصمود والقتال رغم مرارة الهزيمة.. وفى ٢١ أكتوبر ٦٧، قامت قوات من البحرية المصرية بتدمير المدمرة «الإسرائيلية» إيلات.. وبدأت حرب الاستنزاف.. بدأها عبدالناصر، وبدأتها القوات المسلحة بعزم وإرادة وتصميم، ومن ورائهما الشعب المصرى.. كنا نلحظ ذلك، على الجبهة وعلى محيا الجنود والضباط.. كان لابد من إعادة بناء القوات المسلحة المصرية على قواعد وأصول سليمة.. البداية كانت فى إعادة الثقة للجنود فى أنفسهم وفى قادتهم، فالروح المعنوية ضرورية ولازمة، كما أن استعادة الضبط والربط أمر مطلوب، فالجيش الذى يسوده التسيب لا يصلح لقتال.. كان لابد أيضا من إعادة تدريب القوات وتنظيم الوحدات، والتنسيق الكامل بينها، ضمانا لمتطلبات النصر.. ثم كانت الخطوة الفذة، بناء حائط الصواريخ، لكسر شوكة الطيران «الإسرائيلى»، وإنهاء عربدته.. من هنا كان تعبيد الطريق لنصر ٦ أكتوبر العظيم.. لقد كانت لعبدالناصر أخطاؤه وخطاياه، لكن كانت له إيجابياته وإسهاماته الكبرى، ومنها حرب الاستنزاف.. ومن هنا نوجه له وللفريق فوزى والفريق عبدالمنعم رياض وكل من ساهم بحظ فى تلك الأيام تحية تقدير وإعزاز.
قبل يوم ٦ أكتوبر ٧٣، عاش السادات أياما عصيبة.. كانت القوات المسلحة تعمل فى صمت وكتمان كاملين.. كان عملا خلاقا ومبدعا وعبقريا، ورغم ذلك كانت التظاهرات وعام الضباب والسخرية اللاذعة، والسادات يواجه ذلك كله بالابتسام، والعمل الدؤوب ليل نهار.. اتخذ كل التدابير لخداع العدو الصهيونى، ونجح فى ذلك أيما نجاح.. وعى الدرس من التجربة السابقة.. الرجال العظام أمثال المشير أحمد إسماعيل، والفريق الشاذلى وقيادات القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوى، ومن ورائهم كل أفراد القوات المسلحة، يرقبون ساعة الصفر.. وفى ٦ أكتوبر ٧٣، الساعة الثانية بعد الظهر، كان العبور العظيم.. أعظم مانع مائى فى التاريخ، وتحطيم خط بارليف، وارتفاع علم مصر الأبى على الضفة الشرقية لقناة السويس، مع تصاعد الهتاف السماوى: الله أكبر.. قطعت الذراع «الطويلة»، وانتهت أسطورة الجيش الذى لا يقهر.. ساعتها أحس المصريون والعرب بأن كرامتهم زفت إليهم، وبأن عار هزيمة ٥ يونيو عام ٦٧ قد زال واختفى.. ألقيناه خلف ظهورنا.. أصبح أثرا بعد عين.. منذ ذلك الحين تنفسنا الصعداء.. انزاح جبل ضخم كان يجثم على صدورنا.
لكل مواطن مصرى وعربى أن يفخر بالنصر الذى صنعته القوات المسلحة فى تلك الأيام المجيدة.. واليوم الأحد ٦ أكتوبر ٢٠١٣، هو ذكرى الأربعين لهذا النصر العظيم.. هو يوم مجد وعز وفخار، ليس للقوات المسلحة المصرية فقط، ولا للشعب المصرى فحسب، لكن للأمة العربية كلها.. نحن لا ننسى الدور السورى، ولا الدور السعودى، ولا دور أى دولة عربية شاركت فى هذا النصر المبين.
أما من أرادوا الإساءة للقوات المسلحة فى هذا اليوم، أو فى أى يوم، فهم يسيئون للشعب المصرى، وللأمة العربية، وللتاريخ.. القوات المسلحة بقيادة الفريق أول السيسى هى اليوم أقوى من أى يوم مضى، والاحتفاء بها والمحافظة عليها ودعمها وتأييدها هو عين الوطنية.. أقول لهؤلاء: ستفشلون وتخسرون، ولن تنالوا إلا خزيا وعارا ومزيدا من الكراهية لكم.. أنتم أعجز من أن تفعلوا شيئا، وإذا حاولتم فلن تفلحوا.. كفوا عن هذا العبث، عودوا إلى صوابكم.. أنتم تسيرون فى طريق الندامة.. كيف تفكرون؟!.. انظروا إلى حالكم البائس، واعلموا أن الشعب والتاريخ لن يرحماكم.