يرجع فشل الإخوان لأسباب كثيرة، لكن هناك سببا مهما ربما لم يلتفت إليه أحد، حتى الإخوان أنفسهم، وأقصد به اعتمادهم على فرد واحد، فظلموه وظلموا أنفسهم.. إن الفرد مهما كانت عبقريته ونبوغه يظل فردا، له إطاره الحاكم من حيث الخبرة والتجربة، والإمكانات العقلية والذهنية، والقدرات الفعلية فى التعامل مع التحديات الصغيرة والكبيرة، وهكذا.. الفرد لا يستطيع أن يلم بكل تفاصيل الجماعة، خاصة إذا كانت جماعة كبيرة وذات مستويات متعددة ومتنوعة، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا.. كما أن للجماعة مشكلاتها، علاوة على مساحات غير محدودة من التداخل والتشابك بين أفرادها ومؤسساتها.. هذا من حيث أوضاعها الداخلية، أما وضع الجماعة وعلاقاتها مع مؤسسات الدولة المختلفة ومؤسسات المجتمع المدنى، بكل تعقيداتها وتنوعاتها، فذلك شأن آخر.
للأسف، من الناحية الفعلية والواقعية تم اختزال جماعة الإخوان فى مكتب إرشادها، وتم اختزال الأخير فى شخص واحد، هو خيرت الشاطر.. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه لا أحد يحاسب المكتب، ولا الأخير يحاسب خيرت فيما يقول أو يفعل، فلك أن تتخيل ما يمكن أن يؤول إليه حال الجماعة.. لا أنكر أن الرجل متميز من حيث النشاط الذهنى والقدرات التنظيمية، لكن يظل فى النهاية فردا.. فحال خروج الشاطر من السجن ألقى إليه مكتب الإرشاد بمشروع «تطوير الجماعة».. قيل إن الرجل استشار الكثيرين واستمع إلى آراء كبار وصغار من مستويات شتى داخل الجماعة ممن لهم خبرة وتجربة ورأى ورؤية، والنتيجة أن الرجل لم يفعل شيئا، وقيل، تبريرا لذلك، إن الجماعة انهمكت فى العمل السياسى ولم يكن لديها وقت للنظر فى أمر التطوير(!).. وحينما فكرت قيادة الجماعة فى أن تقدم شخصا للترشح لانتخابات الرئاسة، لم تجد سوى خيرت، الرجل «المعجزة» داخل الجماعة، صاحب مشروع «النهضة»، والداعى إلى فك الاعتصام أمام قصر الاتحادية بالقوة.
وعندما أخرج الرجل من سباق انتخابات الرئاسة، وقدم مرسى كبديل، لم يبتعد خيرت عن المسرح، بل كان المحرك الرئيسى لكل ما يجرى.. ربما لم يطلب الرجل ذلك، لكن الذى حدث هو أن مرسى، أو بمعنى أدق مكتب الإرشاد، فوضه فى مسؤوليات كثيرة، منها تحديد وتقرير مدى صلاحية وزراء حكومة هشام قنديل.. فكان يقابلهم فردا فردا.. وفى يوم كان جالسا بمكتبه وحوله مجموعة من الشباب، إذا به يقول لهم، (تباهيا وتفاخرا)، إن جميع الوزراء مروا عليه.. ثم استطرد قائلا: الشخص الوحيد الذى لم ألتقه هو وزير النقل والمواصلات، وربما أراه قريبا، فقال أحدهم فى غطرسة وغرور لا يخلوان من المداهنة والتملق: نأتى به إليك هنا يا باشمهندس(!)
من المؤكد أن الإخوان لم يكونوا مؤهلين لحكم مصر، كما أن أخانا الدكتور مرسى لم يكن يحكم، وكان الذى يحكم فعليا هو خيرت الشاطر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق رجاله الذين زرعهم حول مرسى.. ربما كان خيرت- من باب ذر الرماد فى العيون- يستأنس بآراء آخرين كمحمود عزت وبديع وجمعة أمين، لكن يبقى الرأى الأخير له.. كان مرسى- للأسف- يذوب سمعا وطاعة لخيرت، يتلهف شوقا لتوجيهاته وتعليماته، كما كان يركض سعيا لنَيْل رضاه.. بالتأكيد كانت قدرات وإمكانات خيرت تفوق كثيرا نظيراتها لدى مرسى.. لكن، ترى لو أتيح لخيرت أن يحكم مصر، هل كان الوضع سيكون أفضل؟! لا أظن.