بينما وقفت جماعة الإخوان بقوة أمام تيار تكفيرى ظهر داخل صفوفها بعد محنة الستينيات وأصدرت كتابها المهم لمرشدها الثانى حسن الهضيبى «دعاة لا قضاه»، لم نجد إصدارا على هذا المستوى لتحديد علاقة الجماعة بالعنف واستخدامه كأداة للتغيير الاجتماعى والسياسى، كانت الجماعة قد استخدمت العنف فى داخل مصر ضد خصومها السياسيين، وأهم حوادث العنف تلك قتل القاضى الخازندار الذى حكم على بعض قادة الجماعة وفهم السندى من بعض الإشارات اللفظية لمؤسس الجماعة حسن البنا أنه يعنى قتله فقام بإصدار أمر بقتله، وتعد حادثة قتل النقراشى رئيس الوزراء المصرى الذى حل الجماعة عام 1948 هى الأخرى الأشهر فى استخدام العنف ضد الخصوم السياسيين، فقد انتظر النقراشى داخل بهو وزارة الداخلية أحد أعضاء التنظيم الخاص للجماعة وكان طالبا فى كلية الطب البيطرى مرتديا زى الضباط وأطلق النار عليه ليقتله، ورغم أن الإخوان ينفون مسؤوليتهم عن حادث المنشية لقتل عبدالناصر عام 1954، فإن أحد أعضاء التنظيم الخاص فى منطقة إمبابة هو من أطلق النار بصرف النظر عن كونه وظف لذلك أم لا. وفى عام 1965 كان التنظيم الإخوانى قد أعد لعمليات كثيرة منها تفجير جسور وحتى الاستعداد لقتل عبدالناصر عن طريق حارسه الخاص الذى كان التنظيم قد وصل إليه وجنده، وكان تأسيس التنظيم الخاص الغامض إحدى المعضلات الكبرى فى محاولة فك شفرة الجماعة ومؤسسها الغامضة حول العنف والاستعداد لاستخدامه حتى لو كان ذلك متصلا بصراع القوى حول فلسطين وحول وجود الاحتلال فى مصر. وعرفت الجماعة فى مطلع الثمانينيات نشاطا واسعا وسلميا لجيل مختلف عن جيل السندى وجيل الخمسينيات والستينيات، وانفتحت على مجتمعها فدخلت انتخابات النقابات وتحالفت مع الأحزاب لدخول البرلمان وتنصلت من جماعات العنف الجديدة خاصة الجماعة الإسلامية والجهاد ووصمتهما بالإرهاب والخوارجية وقدمت نفسها باعتبارها بديلا سلميا متصالحا مع النظام عن تلك الجماعات المراهقة المارقة. يبدو أن الجماعة كانت تتحرك نحو مجتمعها وهى لم تنس ثأرها من صراع السلطة مع عبدالناصر، حين تلبدت الغيوم فى الأفق مع تأجيل نتائج الانتخابات الرئاسية الأولى بعد ثورة 25 يناير مررت على ميدان التحرير الممتلئ عن آخره بشباب ينتظر شرارة البدء لإشعال البلد، كان شبابا غاضبا متلاحما قويا ينتظر الوثبة الكبرى حين تحين إشارة بدء للحظة نفسية تشفى غليل الثأر، وكان يقول لن نكرر معركة 1954، نحن ننتظر لحظة الثأر المؤجل منذ صراع عبدالناصر على السلطة مع الجماعة 1954، مضت الأمور على خير، وجاء مرسى رئيسا بيد أن الدولة والجماعة كلتيهما كانتا على موعد منتظر لحالة صراع قادمة مؤجلة، المشكلة أن حالة الاقتراب القوى تعنى إدراكا متبادلا بين طرفى الإخوان والدولة بأن لحظة الصراع قادمة، لكنه مع أمانى السلطة ولحظة امتلاكها، تهاوت رغبة الجماعة وحلفائها فى الإقدام على صراع، فسولت لها نفسها أن الأمور بيدها وأن الجيش تحت قبضتها، وأن الشعب ليس مهما، المهم الجيش وهو معنا، بينما كانت الدولة حاسمة فى ضرورة المواجهة، وفى السياسة لا وقت للأمانى ولا الرغبات، الوقائع هى التى تقرر، وحين فوجئت الجماعة بعزل رئيسها ذهبت نحو رابعة وقد استجلت لها الحقائق وشحذت النفوس لمواجهة عنيفة محققة مؤجلة، تحالفت الجماعة مع الجهاديين والحازميين واستعدت لمعركة كان قد فات أوانها، كانت التعبئة الدينية مريعة ومرعبة بيد أنها وحدها فى قضايا الصراع والمصائر لا تنجز مطلوبا، ولتظل الجماعة ممتحنة بين خيارات السلم التى أضمرت تحت ستارها احتمالات لخيار عنف، وخيارات عنف لم تحسن اختيار إدارتها ولا مواعيدها بحزم ودقة.