مثلت زيارة المشير السيسى والوزير نبيل فهمى لروسيا خطوة مهمة على طريق استعادة التوازن فى علاقة مصر مع القوى الكبرى. وأثارت الزيارة الفكر والشجون حول ماضى علاقة مصر بروسيا فى عهدمثلث عبدالناصر ومقارنتها بعلاقة مصر بالولايات المتحدة فى عهد السادات ومبارك، ومستقبل العلاقة بين البلدين.
والواقع أن روسيا التى زارها السيسى وفهمى الأسبوع الماضى تختلف عن روسيا التى زارها عبد الناصر عامى 1958 و1968. فى ذلك الوقت كانت روسيا جزءا من الاتحاد السوفيتى – إحدى القوتين العظميين فى العالم- وتقود حلف وارسو، وتسعى لنشر الفكر الاشتراكى، وتساند القوى الثورية فى إطار الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.
فى هذه الأجواء تطورت العلاقة بين الاتحاد السوفيتى ومصر فى عهد عبدالناصر، وازدهر التعاون العسكرى والصناعى والتجارى، وكذلك مساندة مصر فى مواجهة إسرائيل.
اليوم انتهت الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتى، وبالرغم من أن روسيا ورثت ترسانته النووية الضخمة إلا أن هذا لا يكفى وحده لوضعها فى مصاف القوى العظمى. روسيا اليوم تخلت عن الاشتراكية وانضمت لمنظمة التجارة العالمية، وسعت لتطوير علاقة تعاونية مع الولايات المتحدة تضمنت حصولها منها على معونة بلغت 19 مليار دولار فى الفترة من 1992 حتى 2010، كما حسنت علاقتها مع إسرائيل.
بالرغم من هذه المعطيات الجديدة، فإن روسيا لا تزال تحتفظ بمكانة مهمة، كما أن رؤيتها وسلوكها الدوليان يختلفان عن الولايات المتحدة فى العديد من القضايا، ويمكن أن يشكل هذا أساسا لعلاقة قوية بين مصر وروسيا استنادا لما يلى:
1- ترفض روسيا فكرة القطبية الأحادية وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولى.
2- روسيا لها مصالح اقتصادية بالمنطقة العربية ولكن ليس لها أطماع بترولية تتحكم فى سياساتها لأنها الدولة الكبرى الوحيدة التى لديها فائض بترولى ضخم وتصدره للخارج.
3- روسيا تقف مع أصدقائها فى الأزمات ولا يوجد لديها سجل فى تقويض النظم الحليفة لها كما فعلت الولايات المتحدة مع مصر.
4- روسيا لا تربط تعاونها مع الدول الأخرى بمشروطية تتعلق بقضايا داخلية.
5- تنظر روسيا بقلق لتصاعد نفوذ قوى الإسلام السياسى فى العالم العربى وعلاقتها بالإرهاب. وكانت من أوائل الدول التى صنفت الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، وقبل أن تقوم مصر بهذا الإجراء.
6- روسيا عضو دائم بمجلس الأمن، وعضو بتجمعات اقتصادية مهمة مثل مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين ومجموعة البريكس BRICS والتى تضم معها البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا. ويمكن أن تساعد روسيا فى نقل رؤية مصر لهذه المحافل وانضمامها لمجموعة البريكس.
قد لا تمثل روسيا بديلا كاملا للولايات المتحدة فى هذه المرحلة، ولكن تطوير العلاقات معها يحقق توازنا فى السياسة المصرية، ويتيح لصانع القرار مساحة أكبر من الحركة والمناورة فى مواجهة القوى الأخرى بما فيها الولايات المتحدة.