يؤسفنى أن أبلغ حضرتك أن فكرة الانتصار الدائم للخير على الشر مجرد أكذوبة نضحك بها على أنفسنا حتى نعيش مرتاحى الضمير، ونظل متفائلين، وحتى يتفاخر الصالحون المساكين بانتصارهم الموعود على الطالحين المتوحشين، ولكن الحقيقة (مطينة بطين)، حيث لا مجال هنا للخير أو الشر إنما البقاء للأقوى. لذلك لا تصدق من يقول لك (دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة)، واسأله دولة العدل اتأخرت على مصر كده ليه أم علينا انتظار قيام الساعة؟! فالواضح أن دولة الظلم لم تستمر ساعة أو اثنتين أو ثلاث، بل قرنين وثلاثة. لذلك إذا كنت تبحث عن دولة العدل فكن أحد رجالها الأوفياء المخلصين، وإذا كنت تريد أن ينتصر الخير على الشر فكن أحد جنود الخير المضحين، ولكن أن تنتظر الصلاح والإصلاح وتصدق خرافة (لا يصح إلا الصحيح وأنت نائم سنتيح)، فهذا هو السبب الرئيسى فى أن هذه الدولة لم يشهد شعبها يوما حلوا منذ قديم الزمان.. ونظرة واحدة لتاريخنا ستؤكد لك أن الخير كان بينام جعان بينما الشر كان عايش شبعان. لذلك كن متأكداً أن الحياة ليست خيرة أو شريرة بل هى مجرد مكان يعيش فيه الخير والشر، وأنك قادر على أن تختار بينهما بفكرك وفعلك وإصرارك، وأنك طرف مؤثر جداً فى الحرب الكونية الدائرة بين الطرفين ولست كيس جوافة. وللأسف جيوش الشر فى مصر الآن عادت ترمح بكل قوتها وجيوش الخير مرتجفة مستكينة. فخرجت علينا جحافل الفلول سعيدة متفاخرة برجالها وسرقاتها وفسادها، وحولت كل مصائبها إلى إنجازات، ووصفت كل كوارثها بالمعجزات بل امتلكوا من (البجاحة) ما يجعلهم يلومون الشعب على ثورته، ويشمتون فيه بسبب التجربة المشئومة لحكم الإخوان، وتناسوا أنهم كانوا السبب الرئيسى فى انتشار هذا الطاعون، واكتساحه للحياة السياسية فى مصر. بل إنهم يسخرون من عدم قدرة الدولة على تحمل أعبائها بعد خروجهم من السلطة، وكأنهم كانوا يصرفون علينا من جيوب أهاليهم. وتفرغوا لتجريس الشرفاء والثوار، والتشكيك فى وطنيتهم وذمتهم ومصالحهم. فإذا كنت تريد الخير فعلا لهذا البلد فأمامك فرصة ذهبية. فقط قاوم هذا التيار، صارحهم بأنهم كانوا نقمة وبلاء على هذا البلد، وارفض فسادهم، وكذب اتهاماتهم، فلن يصح الصحيح إلا بدفاعك عنه، ولن تنصلح أحوال هذا الوطن إلا حينما يكون الخير فيه أقوى من طيور الظلام.