هناك أربع رئات ــ وربما أكثر ــ تتنفس منها جماعة الإخوان،وبمقدار استهداف الحكومة لهذه الرئات سوف يتحدد مستقبل الجماعة.
الرئة الأولى هى الجمعيات الخيرية أو الأهلية وأهميتها أنها همزة الوصل مع الفقراء والمحتاجين بل وبقية المجتمع.
الجماعة تقدم المساعدات الطبية والخيرية وتتلقى فى المقابل أصوات الناخبين إضافة إلى التغلغل فى مفاصل المجتمع والتأثير والسمعة الحسنة. الحكومة ضربت هذه الرئة بقرارها الأخير بأن تقوم هى بنفسها بإدارة هذه الجمعيات مباشرة ومراقبة أموالها وكيفية صرفها، ومن أين تأتى وإلى أين تذهب؟.
الرئة الثانية هى الثروات الشخصية سواء كانت سائلة أو منقولة أو عقارية أو مصرفية، ومؤخرا قررت الحكومة التحفظ على ثروات 572 قياديا بالجماعة. لا احد تقريبا يعرف متى تبدأ ثروات الأعضاء ومتى تنتهى ثروات الجماعة بسبب التداخل بينهما. بطبيعة الحال لا يوجد حصر رسمى بأموال الجماعة وربما يكون غالبية الأعضاء لا يعرفون طبيعة وحجم هذه الثروة. ويعتقد البعض أن غالبية ثروات القياديين الشخصية هى فى الأساس ثروات الجماعة ويقومون بإدارتها خوفا من المصادرة.
قبل حوالى عامين استمعت إلى أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق حيث قدر أموال الجماعة بحوالى ستين مليار دولار موزعة على شبكة شديدة التعقيد يصعب ملاحقتها بشكل دقيق.
الرئة الثالثة هى الاشتراكات وهى تصل إلى حوالى 5٪ من راتب العضو إذا كان راتبه ألف جنيه فأقل وتصل إلى 7٪ إذا زادت على الألف، وقيل انها ارتفعت الى 20% بسبب التطورات الاخيرة، أما اشتراك العضو المقيم فى الخارج فإنه يزيد بنسب متفاوتة حسب دخله.
وبطبيعة الحال فإن هذه الرئة يصعب على الحكومة منعها تماما لأنها تقوم على قرار طوعى بدفع الأموال.
أما الرئة الرابعة فهى التحويلات الخارجية من كبار المتبرعين والمتعاطفين والأنصار، وهذه الرئة شديدة الحيوية خصوصا فى أثناء الأحداث الكبرى مثل الانتخابات، اضافة الى اوقات المحن كما هو الحال حاليا.
هذه الرئة أيضا يصعب مراقبتها بدقة، لأن عملية دخول الأموال معقدة، فهى قد تدخل باعتبارها أموال مشروع اقتصادى، ثم يعاد غسلها وضخها فى شرايين الجماعة.
الطبيعى أن الأعضاء ينتمون للجماعة بسبب أفكارها، لكن المؤكد أن تجفيف منابع التمويل سيحد كثيرا من قدرة الجماعة على التحرك والتأثير.
جمال عبدالناصر كان واعيا جدا لهذا الأمر، لكن معظم الأعضاء سافروا للخليج ثم تحولوا إلى الممول الأكبر للتنظيم فيما بعد.
السادات اخرج الجماعة من السجون لضرب اليسار.
اما العصر الذهبى لتأسيس وبناء الإمبراطورية المالية للجماعة فكان فى عهد مبارك اذا نحينا جانبا المناوشات الكلامية بينهما.. كان هناك صراع على السطح يدور حول الخطوط الحمراء التى لا ينبغى للجماعة أن تتجاوزها، وكانت هناك بعض عمليات الملاحقة عندما تريد الحكومة أن «تقرص اذن» الجماعة كما حدث فى شركة سلسبيل.
السؤال الان: ما هو المدى الذى سوف تذهب فيه الحكومة وأجهزتها فى تجفيف منابع تمويل الجماعة.. هل سوف تستمر وتستعيد التجربة الناصرية، أم ستصل لصفقة لاحقة مع الجماعة وتطبق معها نموذج مبارك، ام يكون هناك نموذج جديد ومختلف؟.
الخلاصة أن الحرب الحقيقية التى تدور بين الحكومة والجماعة لا تتعلق بعمليات القبض والملاحقة أو فض مظاهرات الشوارع.
المعركة الكبرى تدور بشأن الشركات والعقارات والأسهم والسندات والتحويلات والشيكات المصرفية والجمعيات الأهلية والخيرية.
الرئيسية 
