من السابعة صباحا اصطف مصريون فى طوابير أمام لجان الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
حدث ذلك فى أكثر من مكان. وروى لى الزميل العزيز محمود الفقى المذيع اللامع فى محطة «راديو مصر» أنه شاهد بعينيه ذلك فى مدرستى السادات والثانوية الزراعية بشارع الهرم.
السؤال الذى شغلنى كثيرا هو: ما الذى يدفع هؤلاء الناس إلى النزول فى هذا الوقت المبكر جدا وفى ظل الطقس البارد، وبعضهم ربما لا يفعل ذلك إذا كان الأمر يتعلق بشأن مهم وشخصى يخصه؟!.
الإجابة الوحيدة المتاحة أن هؤلاء المصريين العاديين والبسطاء يريدون بلدا مستقرا هادئا محترما يعيشون فيه بآدمية ويتمتعون فيه بالحد الأدنى من الأمن والأمان والحياة الكريمة.
نزول هؤلاء المصريين ووقوفهم أمام اللجان قبل بدء التصويت بساعتين يعنى أن كل ما يقوله معظم المثقفين وبعض أفراد النخبة المنعزلة عن الواقع بأن هؤلاء كفروا بالسياسة ليس صحيحا.
قد يكون البعض أصيب بيأس جراء الإحباط الذى أحاط بالحياة السياسية المصرية فى السنوات الثلاث الماضية، لكن غالبية الناس لاتزال بخير.
السؤال الثانى: لماذا يصر المصريون على النزول والمشاركة فى عمليات الاستحقاق الانتخابى رغم كل ما يحيط بهم من عنف وإحباط ولماذا لم يتقوقعوا وينعزلوا أو يتجهوا إلى العنف كما فعلت قلة من المصريين؟.
الإجابة ببساطة أننا لا نعرف طبيعة شعبنا جيدا، وندعى فى كل مرة أننا خبراء فى السياسة وعلم الاجتماع، بل وعلم نفس السياسة.
المصريون العاديون غير المسيسين الذين نزلوا وانتخبوا الإخوان ومحمد مرسى أغلب الظن أنهم ايضا الذين نزلوا فى ديسمبر 2012 وقالوا نعم للدستور.
هؤلاء صدقوا جماعة الإخوان قبل عامين وراهنوا على أن هؤلاء ربما فعلا «بتوع ربنا» وبالتالى قالوا فلنعطهم فرصة، هؤلاء أنفسهم هم الذين صوتوا بنعم على التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011، بهدف رئيسى هو «عشان الدنيا تمشى».
معظم هؤلاء لا يقرأ نصوص الدساتير والصياغات الدقيقة للمواد المختلفة ولا يشغله كثيرا الفارق الطفيف بين برامج حزب المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، أو الفوارق الضخمة بين حزب الوطن السلفى وحزب التجمع التقدمى. هؤلاء يريدون الستر أو حياة طبيعية إنسانية كريمة فقط.
هؤلاء هم الوقود الحيوى لكل الانتخابات منذ اختراعها فى الحياة السياسية المصرية.
هؤلاء هم المادة الخام التى يتاجر بها السياسيون وكل الأحزاب والحركات والقادة بل وغالبية النخبة الذين يدعون أنهم يمثلون هؤلاء البسطاء، والشواهد على أرض الواقع تقول عكس ذلك.
نزول المصريين للمرة السادسة منذ 25 يناير 2011 إلى صناديق الاستفتاء على الدستور وتعديلاته تعنى أن هناك فرصة حقيقية لبناء مصر الحديثة. والأهم أن نزول المصريين بهذا الشكل يعنى ببساطة أن محاولة هدم وإسقاط الدولة قد سقطت عمليا.
لكن المعنى الأخطر لنزول المصريين إلى الاستفتاء صباح أمس الثلاثاء أن شرعية الإخوان الدستورية قد انتهت.. وهذه المرة فى الصندوق الانتخابى وليس فقط عبر مظاهرات الشارع والحشود الجماهيرية.