ناصر «35 سنة»، طهق من الغربة فى الكويت، وعاد باحثا عن أى عمل فى مصر، يجعله يرى أسرته وأولاده الأربعة. وأخيرا، عمل سائقا على سيارة ربع نقل تنقل الفراخ من مزارع كوم حمادة فى البحيرة إلى القاهرة والجيزة، وكان يعود لأسرته فى إحدى قرى محافظة أسيوط كل شهر.
فى الثامنة من مساء الاثنين 21 يوليو، خرج من كوم حمادة ومعه مندوب الشركة ومعهما 13 ألف جنيه حصيلة المبيعات، بمجرد خروجه فوجىء بمجهولين يطلقون النار على السيارة. الرصاصة الاولى أصابت إطار السيارة، والثانية أصابت رقبته فمات بعد خمس دقائق، تجمهر بعض المارة، فهرب الجناة وتركوا الأموال والجثة.
ابن عمه يعمل فى نفس المهنة، وكان قد سبقه بالخروج من كوم حمادة ولكن من طريق آخر ومعه ستون ألف جنيه فنجا، زوجة ناصر كأنها تعلم أن مصيبة سوف تقع، كانت دائمة الاتصال به، وفى المرة الأخيرة رد عليها أحد المارة وقال لها إن من تسأل عنه مقتول، فاتصلت بابن عمه فعاد إليه.
قابلت أحد أقارب ناصر فى الاسبوع الماضى بالصعيد، فقال لى إنهم يعرفون أن خسارتهم لن يعوضها شيء، لكنهم يتمنون أن تتمكن الشرطة من القبض على الجناة، لأن هناك حوالى ثمانين سائقا يعملون من نفس القرية فى أسيوط على نفس الخط أى كوم حمادة - القاهرة ،واذا استمرت هذه العصابات تمارس عملها من دون رادع فإن كل السائقين سيتحولون لعاطلين فورا.
هذا الرجل يعتقد أن هذه العصابات معروفة لكثير من اهل المنطقة وعملهم ازدهر بعد 25 يناير 2011. هذه العصابات تتربص بالسائقين وهم فى طريقهم من مزارع الفراخ مدركين أن معهم اموالا مضمونة. ووصل الأمر إلى أنهم يحصلون على إتاوات علنية من السائقين.
الشرطة تبذل جهودا جبارة فى مواجهة الارهاب وبعض افرادها يدفعون حياتهم ثمنا لذلك. والمطلوب أن تكون هناك نظرة اكثر فاعلية للأمن الجنائى. السائقون والتباعون والمندوبون الذين يسافرون لمسافات طويلة ويتعرضون «للتثبيت» ينظرون للامن من زاوية واحدة فقط وهى أن تكون الشرطة حاضرة ورادعة للمجرمين والبلطجية.
المنظومة متكاملة فحتى لو قضينا على كل الارهابيين فإن الامن لن يعود الا اذا عاد الامن الجنائى، هذا الامن مفهومه شامل بحيث إن المجرم والبلطجى والخارج على القانون تصل اليه رسالة انه لن يفلت بجريمته.
نجحت الشرطة فى حفظ الامن السياسى الى حد ما، لكن كثيرا من الناس يريدون أن يشعروا بالامن العام. وحتى يشعر كل شخص بأنه آمن على حياته، فالسائق يخشى التثبيت على الطرق والفتاة تخشى التحرش حتى امام منزلها والمواطن المسالم يخشى الحديث حتى مع سائق توك توك او بائع متجول خوفا من سماع كلمات بذيئة.
لن يحدث أى تقدم فى أى مجال فى مصر من دون عودة الامن، ومن دون عودة «هيبة الدولة» وهذه الهيبة ليس المقصود بها أن تقمع الاجهزة الامنية المواطنين، بل قوة القانون وان يتم تطبيقه على الجميع بالعدل والمساواة.
لو انه تم القبض على عصابة واحدة من تلك التى تروع المواطنين على الطرق وحصلوا على عقوبات رادعة، فالمؤكد أن غيرهم من المجرمين سوف يفكر مليون مرة قبل أن يكرر نفس الفعلة.
اتمنى أن تعيد وزارة الداخلية التفكير فى طريقة جديدة ومختلفة وفاعلة فى حفظ امن الطرق خصوصا السريعة. حتى يعود السائقون لأسرهم ولأولادهم وحتى يعود مفهوم الاستقرار إلى المستثمرين حتى لو كانوا صغارا.