أربع ضربات قاصمة تلقاها التنظيم الدولى للإخوان فى أقل من أسبوعين، كانت كفيلة بإعلانه النفير العام باجتماعين فى إسطنبول بتركيا ولاهور بباكستان لإعادة ترتيب الأوراق، والنظر فيما يمكن عمله خلال المرحلة المقبلة. أولى هذه الضربات هى الهزيمة الميدانية للجماعة وحلفائها على الأرض فى سيناء ومحافظات القنال، والثانية حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحل تنظيم الإخوان وكل ما ينبثق عنه من روافد ومصادرة ممتلكات أعضائه العاملين فى جمعية الإخوان، والثالثة، زلزال أوباما فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلانه صراحة فشل مرسى فى حكم مصر، واستمرار واشنطن فى التعاون مع الإدارة المصرية المؤقتة، والرابعة، فشل كل الدعاوى التى أعلنتها الجماعة المحظورة للحشد والتعبئة لشل المصالح الحكومية أو وسائل النقل أو تهديد استئناف المدارس والجامعات، واتجاه المواطنين لطى صفحة الإخوان نهائيا.
لم تكن هزيمة الإخوان وحلفائها من الجماعات الإرهابية والتكفيرية فى سيناء بالمسألة الهينة بعد عامين من الترتيب والحشد لزرع سيناء بآلاف الإرهابيين المحترفين من جنسيات مختلفة، وتخزين كميات هائلة من السلاح فى مخازن سرية، وأنفاق تحت الرعاية المباشرة لحركة حماس، التى دأبت بالتعاون مع إدارة مرسى على شراء مساحات واسعة من الأراضى السيناوية بعقود عرفية من البدو، وإصدار بطاقات الرقم القومى المصرية لهم، تمهيدًا لتنفيذ المخطط الذى تحلم به إسرائيل من نقل 300 ألف مواطن غزاوى إلى الشريط الحدودى فى سيناء وطرد فلسطينى الضفة الغربية إلى غزة وإعلان دولة فلسطينية على تلك المنطقة لإنهاء الصراع مع إسرائيل بتكلفة مصرية فلسطينية.
ولذا جاء انتصار الجيش المصرى على إرهابيى سيناء وترحيله الفلسطينيين الموجودين هناك وإقامة ما يشبه المنطقة العازلة على الحدود مع غزة، وكذلك إحباط مخطط شل الملاحة الدولية فى قناة السويس، ضربة قاصمة لمشروع استيطانى دولى ساهمت فيه أطراف عديدة، دعمت تنظيم الإخوان بالمال والسلاح.أما حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعابدين، والذى حظر بشكل مباشر تنظيم الإخوان وكل ما ينبثق عنه من روافد سواء جمعيات أهلية أو كيانات دعوية أو أحزابًا، وكذلك التحفظ على جميع العقارات والمنقولات والأموال المملوكة للمنتمين إلى جمعية الإخوان، فقد كسر تطاوس الإخوان بأنهم مدعومون أمريكيا وأوروبيا وأن من الصعب المضى قدما فى أى إجراءات تنفيذية أو قضائية تنال بصورة مباشرة من قدرته على الحركة فى مصر أو ممارسة العمل السياسى.
ورغم أن الحكم الصادر هو حكم أول درجة ويمكن الطعن عليه واستئنافه إلا أن مقيم الدعوى وهو حزب التجمع، لم يعط الإخوان فرصة للمناورة وكان من الذكاء بأن يختصم رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، لا أى طرف ينتمى لجماعة الإخوان أو التنظيم الدولى، مما يعنى بوضوح عدم قدرة الإخوان على استئناف الحكم أو الطعن عليه، وأن من له الحق فى ذلك هو الرئيس نفسه ووزير داخليته واللذين ينوب عنهما فى ذلك هيئة قضايا الدولة، لكن من المستبعد أن تطعن هيئة قضايا الدولة نيابة عن الرئيس ووزير الداخلية لتمكين أعداء الشعب من العودة للحياة السياسية مرة أخرى.
كما أنه من المستبعد أن يتحدى الرئيس ووزير داخليته الشعب والقضاء، بعد الحيثيات التاريخية للمحكمة التى أشارت فيها إلى أن «جماعة الإخوان المسلمين» وتنظيمها وجمعيتها قد اتخذت الإسلام ستارا لها إلى أن تولت زمام أمور البلاد، فأهدرت حقوق المواطنين المصريين، لم تمر أيام بعد حظر تنظيم الإخوان وجمعيته ومصادرة أملاك المنتسبين إليها، إلا وفاجأ الرئيس الأمريكى العالم كله بتراجعه الكامل عن تأييد الإخوان ونظامهم فى مصر، وإعلانه استمرار التعاون مع الحكومة المؤقتة، مسددًا بذلك ضربة قاصمة لأحلام الإخوان بأن تستمر المساندة الأمريكية إلى أجل غير مسمى بناء على التفاهمات السابقة بين الجانبين بشأن سيناء لضمان أمن إسرائيل، متناسين التغيرات الجذرية التى طرأت على الأرض فى البلاد، فهم لم يعودوا فى الحكم، وتلقوا الهزائم فى سيناء وفى غيرها من مناطق التوتر، مرفوضون من الشعب، لا أحد يريد إدراجهم فى الحياة السياسية مرة أخرى، بل إنهم يتناسون إدراك الإدراة الأمريكية لهذه المتغيرات.
من هنا جاءت المساعى المحمومة للتنظيم الدولى للإخوان بعقد اجتماعى لاهور وإسطنبول، لإعادة ترتيب الأوراق فى مصر وسوريا بعد الهزائم الساحقة التى منى بها فى الجبهتين. حضر اجتماع «لاهور» إبراهيم منير مصطفى ومحمود أحمد الإبيارى من التنظيم العالمى، وهمام سعيد المراقب العام للإخوان فى الأردن، ومحمود حسين عضو مكتب الإرشاد أمين عام الجماعة فى مصر، ومحمد الحمداوى من المغرب، ومحمد حسين عيسى من الصومال، ومحمد نزال، القيادى بحركة حماس، وبحث بشكل أساسى تصعيد الاحتجاجات على الأرض فى مصر، والحيلولة دون نجاح الحكومة المؤقتة فى مهمتها حتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وبالنظر إلى توجهات المشاركين فى اجتماع لاهور يمكن إدراك أن عمليات التسلل للإرهابيين والمتطرفين، وتهريب السلاح من أفريقيا عبر الحدود السودانية، مرورًا بالصحراء الشرقية إلى سيناء ومدن القناة -ستستمر خلال الفترة المقبلة، كما ستعمل الجماعة المحظورة على تكثيف مظاهراتها فى الجامعات وأمام المصالح الحكومية، بالإضافة إلى بدء الحشد والدعاية المضادة للجنة الخمسين والدستور الذى يجرى تعديله، بهدف التصويت برفضه أو مقاطعة عملية الاستفتاء.
أما اجتماع إسطنبول، فقد ناقش بشكل أساسى الالتفاف حول المقاطعة والحظر للجماعة فى مصر ومصادرة ممتلكاتها، من خلال دفع أطراف أوروبية لممارسة الضغوط على الحكومة المصرية لقبول ما يسمى بإعادة دمج الإخوان فى الحياة السياسية، وإذا كان اجتماع لاهور هو الأخطر على مستوى جدول الأعمال والتوجه العام، فإن توجهات اجتماع إسطنبول هى الأقرب للتنفيذ فى المرحلة المقبلة فى مصر، وتبدأ بمحاسبة القيادات الفاشلة فى الجماعة بمصر، وتخفيض سقف المطالب، وصولًا إلى ضمان الحياة سياسيًا خلال المرحلة المقبلة.