بالنسبة لى كرجل أمضى عمره فى اللقاء والتعايش بين الثقافات والأديان فإننى أتفهم جيدا أنه حين يحتدم الصدام والصراع يتجه جزء من الرأى العام بمشاعر بريئة إلى المصالحة أو التصالح، ولكن بجانب تجربتى مع الثقافات والأديان والسماحة هناك تجربتى ودراساتى عن الدولة واستراتيجية الأمن القومى والاستقرار.. وهنا يختلف الموقف للأسباب الآتية:
أولا: إذا أردنا تقييم الموقف على أرض الواقع فى شوارع وميادين مصر فسنجد صراعا حادا بين جماعة الإخوان بعد انهيار نظامهم من جانب، وبقية الشعب المصرى - الذى قاد ثورته شباب جرىء ومنظم «تمرد» على رغبة الإخوان فى السيطرة والتعصب والإقصاء - على الجانب الآخر، حينما أقول هنا الموقف مختلف لأن من خسروا معركة الاحتفاظ بسلطة الحكم بين أيديهم ناصبوا كل مؤسسات الدولة العداء فى «تكبر وغرور»، من الجيش والشرطة إلى مؤسسات القضاء والإعلام التى حاصروها. وبعد سقوط نظامهم لم يتحلوا بالروح الرياضية أو الاعتراف «بخسارة الماتش»، ونزلوا بأسلحتهم البيضاء والآلية ومارس ملوك الإرهاب فى رابعة العدوية والنهضة جميع أنواع العنف والإرهاب ضد المواطنين ورجال الأمن من خطف الأبرياء والتعذيب الوحشى الذى يصل إلى بتر أجزاء من الجسد، بل إلى القتل، وهنا أبحث عن مرجعية واحدة فى القرآن أو السنة تبيح لهم القيام بمثل هذه الجرائم النكراء!! جرائم التعذيب التى كتب عنها مثل أحداث المنيل وما جرى لأحمد ثابت مؤسس حركة 6 إبريل سابقا واحتجازه 19 ساعة داخل مسجد القائد إبراهيم فى الإسكندرية مساء 30 يونيو.. وللعلم أن أحمد ثابت كان ضمن من صوتوا لمحمد مرسى فى انتخابات الرئاسة نتيجة خطأ فى التقدير، وأغمى عليه وعلى بعض زملائه بعد الاعتداء الوحشى عليهم بالأسلحة البيضاء من جانب أنصار الرئيس المعزول بعد تجريدهم من ملابسهم.
إن نداء الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى أراد الله لمصر أن يأتى بوعيه وقدراته ووطنيته لينحاز لشعب مصر الأصيل لإنقاذ سفينة البلاد من الضياع والغرق والدفاع عن حقوق هذا الشعب وكرامته وأرضه وأمنه القومى، واستجابة 35 مليون مواطن يعكس حقيقة أن الشعب والجيش والشرطة وجميع أجهزة الدولة قد استشعروا المخاطر التى تتعرض لها البلاد ووجدوا أنفسهم أمام تحد «نكون.. أو لا نكون...»، فحين تنهار الدولة وتنتصر الغوغائية والفوضى تغرق السفينة، فلن يغفر الله ولا التاريخ لمن لم ينتفض للذود عن أرضه وعرضه. ثانيا: الموقف أيضا يختلف ويحتاج منا إلى حسابات دقيقة حول مصير الأمن القومى لبلدنا، وأراهن الجميع أن الدوسيهات والتحقيقات والقضايا التى ستفتح فى الأسابيع والشهور القادمة ستفاجئ الجميع بحجم الجرائم التى ارتكبها الإخوان والرئيس المعزول، وعلى رأسها التخابر مع جهات أجنبية فيما يسمى بـ«الخيانة العظمى»، وحين تتوصل التحقيقات إلى دور حماس الداعم فى قضية هروب سجناء وادى النطرون، ودورهم فى جرائم مدينة نصر ورابعة العدوية التى ستبدأ التحقيقات فيها قريبا، والتى دفعت بأعضاء الجماعة للاحتفاظ ببعض الجثث حتى لا يكتشف أحد أنها لأعضاء من حماس، فضلا على دورهم فى الجرائم التى ارتكبت على أرض سيناء بواسطة الجماعات الجهادية التى دفع الكثير من أبنائنا أرواحهم ثمنا لها، أما رجال الدين فسيرفضون بعد اليوم الخلط بين الدين والدولة دفاعا عن صورة الإسلام الصحيح والسمح والعادل، وسيجمع شعب مصر بأكمله مسلمين ومسيحيين بكل طوائفهم الفكرية وأجيالهم المتعاقبة أن العدو الأول والأكبر الذى يجب أن نسحقه هو الإرهاب.