من لا يعرف ما مضى، فليس بوسعه أن يفهم ما سيأتى، أو كما يقول الحكيم الفلبينى خوسيه ريزال: «إن الذى لا يستطيع النظر وراءه، إلى المكان الذى جاء منه، فلن يصل إلى وجهته أبدا». وقد كتبت منذ أيام مقالا علميا، مستندا إلى إحالات مرجعية، عن دور استقراء التاريخ فى التنبؤ بالمستقبل. وبناء عليه، من الضرورى أن نعرف ما وقع من إرهاب على مدار العقود الفائتة، وتحديدا منذ أن انزلقت جماعة الإخوان إلى ارتكاب أعمال عنف بعد سنوات من دخولها العمل السياسى خارجة عن مسارها المعلن ابتداء أو لحظة انطلاقها، بأنها جماعة دعوية تنشغل بتربية المنتمين إليها على مبادئ الإسلام وتعاليمه.
وفى ركاب الإخوان ومعهم وبهم، نظرا لأن كل التجمعات والتنظيمات والجماعات والفرق السياسية التى اتخذت من الإسلام أيديولوجية لها قد خرجت من عباءة جماعة حسن البنا، شهدت مصر خمس موجات إرهابية يمكن ذكرها على النحو التالى:
1 ـ موجة الأربعينيات: التى كان من أبرز حوادثها اغتيال القاضى الخازندار بعد أن أصدر حكما ضد أعضاء بجماعة الإخوان، واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، والاعتداء على الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد بعد مقال وصف فيه أعضاء الجماعة بــ«الخوان» واتهمهم باعتناق الماسونية. وبعد حوادث عنف أخرى متفرقة انتهى الأمر باغتيال البنا فى فبراير 1949.
2 ـ موجة الخمسينيات والستينيات: وقامت بها جماعة الإخوان فى صراعها مع النظام السياسى الذى نشأ عقب ثورة يوليو 1952، حيث تحالف الإخوان معه فى البداية وشجعوه على التخلص من الأحزاب السياسية، ثم اصطدموا به حين أرادوا أن يحولوا حركة الضباط الأحرار إلى مجرد عنصر دفع لمشروع الإخوان. وأبرز أحداث هذه الموجة محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى المنشية 1954، وارتكاب أعمال عنف فى 1965 انتهت باعتقال خلية يقودها سيد قطب، حيث أعدم هو وبعض من معه. وقد كان مرشد الإخوان الحالى عضوًا بهذه الخلية، وهناك اعترافات له بذلك.
3 ـ موجة السبعينيات: وقامت بها تجمعات متطرفة صغيرة مثل جماعة «الفنية العسكرية» التى خططت للانقلاب على الحكم، و«جماعة المسلمين» المعروفة باسم «التكفير والهجرة»، وجناح من «حزب التحرير الإسلامى»، وظهرت خلال هذا العقد الجماعة الإسلامية، واستخدمها السادات فى التضييق على معارضيه اليساريين، فروّعوا طلاب الجامعات وأرهبوهم، وانتعش تنظيم الجهاد، وانتهت هذه الموجة باغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981، بعد أن انقلب السحر على الساحر.
4 ـ موجة الثمانينيات والتسعينيات: وكانت بالأساس من فعل «الجماعة الإسلامية» وبقايا تنظيم الجهاد، وقد بدأت عام 1988 وتخللتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقى ووزراء وكتاب، وتم بالفعل اغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب والكاتب فرج فودة، ومحاولة قتل نجيب محفوظ، وقتل مئات السياح والآلاف من المواطنين ورجال الشرطة فى مواجهة بين الأمن والمتطرفين، وانتهت بحادث الأقصر 1997، الذى بعده بدأت «الجماعة الإسلامية» تعرض مبادرة وقف العنف.
5 ـ الموجة الحالية: بدأت أثناء حكم مرسى بقتل جنود فى سيناء، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى، وحرق مقر حزب الوفد ومدخل البناية التى بها جريدة الوطن، واستمرت بعد إسقاطه بعمليات إرهابية متعاقبة نعيشها حاليا، وأعتقد أنها ستستمر فترة ثم تنكسر وتنحسر وتنتهى بندم جديد للإرهابيين، فالجريمة لا تفيد، والإرهاب لا يقيم دولة، لاسيما مع شعب أثبت طيلة الوقت أنه عصىّ على الترويع والترهيب والتفزيع.