هناك قاعدة شعبية عريضة متحمسة للسيد عبدالفتاح السيسى، وترى فيه البطل والمخلص وتتصرف طيلة الوقت على أن فوزه بالرئاسة مضمون وأن زمن حكمه سيكون مفعما بالإنجازات فى مختلف المجالات، وهو ما يتمناه كل مصرى يحب لوطنه الخير والازدهار، حتى لو اختلف سياسيا ومعرفيا مع المشير. لكن كثيرين من بين هؤلاء لا يدركون أن ثورة يناير التى يحاولون تشويهها، اتكاء على حفنة مرتزقة أو تابعين للخارج، هى صاحبة فضل على السيسى، ولولاها ما طفا الرجل على السطح فيما بعد، إثر تداعيات الثورة التى أتت بالإخوان إلى سدة الحكم ودفعت الشعب إلى النزول إلى الشوارع لإسقاطهم إلى غير رجعة.
ونتخيل أن يوم 25 يناير 2011 قد مر عاديا، لا شىء فيه يختلف عن الأيام التى سبقته، وتحققت نبوءة أحمد أبوالغيط وزير خارجية مبارك حين قال: «مصر ليست تونس»، فإن الأمور بالنسبة للسيسى كانت ستجرى على النحو التالى:
1ـ فى مايو 2011 سيشرع مبارك فى توريث نجله جمال، حسبما كان يعرف السيسى نفسه وقال هذا لمن التقوه من المثقفين والكتاب والسياسيين عقب ثورة يناير مباشرة. وكانت هذه الخطوة ستتم بإعلان مبارك التنحى لأسباب صحية، ويُفتح الباب لانتخابات رئاسية نتائجها محددة سلفا بعد تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010 بالكامل.
2 ـ بعد أن يحلف جمال اليمين مباشرة سيفكر فى تغيير الحكومة، وأول من تقع عيناه عليه لتغييره هو المشير حسين طنطاوى وزير الدفاع.
3 ـ نظرا لأن المشير طنطاوى كان من أشد المقتنعين فى الجيش بكفاءة الضابط عبدالفتاح السيسى ولذا بوأه مواقع مهمة داخل القوات المسلحة انتهت بتعيينه مديرا للمخابرات الحربية، فإن تغييره سيفقد معه السيسى سندا كبيرا، وعلى الأرجح فإن وزير دفاع جديدا، قد لا يكون على الاقتناع نفسه بقدرات السيسى أو يكون راغبا فى تغيير أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى سيعمل معه، كما جرت العادة فى مصر.
4 ـ يمكن أن يقتنع وزير الدفاع الجديد بالسيسى، وبالتالى يبقيه فى موقعه، مديرا للمخابرات الحربية، إلى أن يحل موعد إحالته للتقاعد حين يبلغ الستين من عمره فى 18 نوفمبر 2014.
5 ـ على الأرجح كان جمال مبارك سيفضل مديرا جديدا للمخابرات الحربية يضمن ولاءه فى إطار سعيه إلى كسب ود القوات المسلحة.
6 ـ كان من المحتمل أن تقوم انتفاضة ضد توريث جمال فى مايو 2011، كما كان يتوقع السيسى نفسه وقدم بهذا تقريرا للمشير طنطاوى قبل ثورة يناير بشهور، ويجدها الجيش فرصة للضغط على مبارك لاتخاذ قرار يرضى الناس ويحافظ على نظامه، فيضطر الرئيس الأسبق إلى وقف توريث ابنه وتعيين نائب رئيس من القوات المسلحة، على الأرجح أنه سيكون اللواء عمر سليمان، ثم يلتفت إلى الجيش لتصفية الحساب معه، بتغيير وزير الدفاع ومعه كل أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبالتالى يجد السيسى نفسه خارج الجيش، جالسا فى بيته يروض الوقت الذى يمر ثقيلا.
7 ـ فى كل هذه التطورات، وما دام النظام متماسكا، كانت جماعة الإخوان ستضع نفسها فى خدمة مبارك ومن بعده نجله، وهذا معناه أن الإخوان لن يصلوا إلى السلطة، ويستمروا فى انتظار أى منافع من نظام مبارك، وبالتالى لن يثور الشعب ضدهم لينحاز السيسى إلى الناس ويعزل مرسى وبالتالى ينفتح الطريق أمامه للرئاسة استجابة لنداء الشعب. لأجل هذا كتب الشعب المصرى، البطل الحقيقى لثورتى يناير ويونيو، على السيسى أن ينصت إليه، ويستجيب لمطالبه، ويقوده بحق واقتدار نحو بناء دولة قوية ماديا ومعنويا، ويفهم أن فى رقبته دينا للشهداء والمصابين ومعهم المناضلون ضد نظام مبارك، وهذا وحده هو الطريق الآمن له إن أراد أن يكون رئيسا مختلفا فى تاريخ مصر، ولا يخيب رجاء وأمل الشعب فيه، ويتعامل مع الأمر كله على أنه تكليف وليس تشريفا، ومحنة وليست منحة.