العوامل المؤدية لمس استقرار
اتفاق السلام مع مصر
إيهود عيلام·
أنهى اتفاق السلام الذي وقع بين إسرائيل وبين مصر عام 1979,
نزعا عنيفا ومتواصلا بين الدولتين. وحتى الان صمد الاتفاق أمام سلسلة من
الأزمات، بدأت بضم هضبة الجولان، ومهاجمة المفاعل النووي العراقي عام 1981،
وانتهت بحرب لبنان عام 1982 التي شهدت مواجهات بين إسرائيل وبين
الفلسطينيين. ولو تدخلت مصر بشكل علني ومكثف في المجال العسكري في هذه
المواجهات، لازداد الوضع تصعيدا بصورة كبيرة ضد إسرائيل. وتبين أن اتفاق
السلام الإسرائيلي–المصري ما زال مستقرا من الناحية الإستراتيجية.
وبالإضافة إلى ذلك، قلص إخلاء سيناء من السلاح إمكانية حدوث مفاجئة
متبادلة. لكن، ما زالت هناك إمكانية لاندلاع حرب بين إسرائيل ومصر.
وأنهى اتفاق السلام حالة الحرب بين إسرائيل ومصر، وبالنسبة
لإسرائيل يعتبر اتفاق السلام اتفاقا حيويا. كما ساهم الاتفاق المذكور بشق
الطريق أمام مفاوضات بين إسرائيل والدول العربية الأخرى, وسهل على الأردن
توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1994. إضافة لذلك، عملت مصر كوسيط بين
إسرائيل وبين الفلسطينيين أحيانا.
تبحث ورقة البحث هذه في العوامل التي من شأنها أن تتسبب
بإلغاء أتفاق السلام، وربما حدوث مواجهات عسكريه بين إسرائيل ومصر. وفي
بداية البحث، سأهتم بالعوامل المتعلقة بالمجال الداخلي في مصر، ومن ضمنها
الصراع على وراثة الرئيس المصري حسني مبارك, واحتمال تولي السلطة من نظام
إسلامي متطرف. بعد ذلك، سأبحث العوامل الإقليمية مع التركيز على التأثير
الإيراني والفلسطيني على العلاقات الإسرائيلية-المصرية. وسوف أتطرق إلى
موضوع أخر، هو إخلاء سيناء من الأسلحة وتأثير ذلك على العلاقات المذكورة.
وعلى أية حال، يعتبر كل عامل من العوامل المذكورة مؤثرا, بصورة أو بأخرى,
ومساهما في تدهور العلاقات بين الدولتين.
علاقة مصر الحالية بإسرائيل
يسود العلاقات المصرية الإسرائيلية “سلاٌم بارٌد” ينبع من
الدمج بين استعداد مصر بالتمسك باتفاقية السلام مع إسرائيل، مقابل الامتناع
عن إفساح المجال أمام علاقات متبادلة في المجالات الاقتصادية والثقافية
والسياحية. وينبع هذا الموقف ،الذي من شأنه، أن يتسبب بتقويض العلاقات بين
البلدين, لعدد من الاعتبارات هي:
على مدار سنوات الاتفاق تخشى مصر من سعي إسرائيل لأن تصبح قوة إقليمية في المنطقة[1].
غير أن إسرائيل تدرك صعوبة منافسة مصر في السيطرة على العالم العربي. لكن
الدول العربية ومن ضمنها مصر, تعرف كثيرا القوة العسكرية الإسرائيلية كونها
قوة إقليمية. ورغم نتائج حرب لبنان في عام 2006 ما زال الجيش الإسرائيلي
يعتبر أقوى جيوش المنطقة, كما يساهم الطابع النووي المنسوب لها في تعزيز
قوتها. وعلى الرغم من دعم ومساعدة الولايات المتحدة لمصر, لكن لإسرائيل
مكانة وأهمية خاصة لأكبر دولة عظمى. ورغم تراجع مكانة الولايات المتحدة في
الشرق الأوسط، لكنها ما زالت قوة عسكرية ضاربة، وعلاقاتها بإسرائيل ذات
أهمية كبيرة جدا. كما أن المناعة الاقتصادية لإسرائيل تضيف لها قوة. ومجموع
هذه الأبعاد تعزز موقع إسرائيل في الشرق الأوسط. وفي المقابل، تعتبر مصر
نفسها الدولة القائدة في المنطقة, وترى أن أي نمو لإسرائيل سيكون على
حسابها. الأمر الذي يدفعها للعمل ضد إسرائيل. وتهتم مصر بالتمسك باتفاق
السلام مع إسرائيل بسبب قوتها وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ومع ذلك،
تريد مصر منع إسرائيل من استغلال قوتها في العالم العربي بشكل عام,
واتجاهها بشكل خاص. وعليه, تحاول مصر تقييدها قدر الإمكان. وفي هذا الإطار،
يأتي تقليص العلاقات معها، الذي ينتج عنه “السلام البارد” بين الدولتين.
وفي شهر كانون أول عام 2007 تطرق مبارك إلى الصراع العنيف بين
إسرائيل وبين الفلسطينيين، حيث أوضح أن الانتقال إلى”السلام الأكثر دفئا”
مع إسرائيل يتطلب مزيدا من الوقت[2].
وينبع موقف الرئيس المصري للعلاقات مع إسرائيل من استمرار الصراع
العربي-الإسرائيلي بشكل عام, ومن النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي بشكل خاص.
ورغم تأييد مصر لاستمرار المفاوضات بين إسرائيل والدول العربية, التي من
شأنها توقيع اتفاقيات سلام إضافية, إلا أن مصر تتطلع بأن تشبه هذه
الاتفاقات اتفاق السلام الموقع معها، بهدف منع إسرائيل من زيادة تأثيرها في
المنطقة. واستمرار “السلام البارد” يعبر عن رباطة جأش وانضباط مبارك ليس
فقط بعدم الانجرار لمغامرات عسكريه ضد إسرائيل. بل أيضا، حول جوهر السلام
معها. وعلى أية حال، فإن رفض خيارات الحرب وتعزيز السلام يؤديان إلى
“السلام البارد”.
وزار مبارك إسرائيل كرئيس مرة واحدة فقط عام 1995، لحضور
جنازة رئيس الحكومة إسحاق رابين، حيث صرح أنه سيزور إسرائيل إذا ساعدت هذه
الزيارة في حل النزاع العربي-الإسرائيلي[3].
وتمُسك مبارك بالسلام يدل على أنه يوافق ،أو ُيسلم على الأقل، على إرث
أنور السادات. وسبق للرئيس مبارك أن التقى كثيرا بالإسرائيليين، وبرؤساء
الوزراء. وجرت هذه اللقاءات بشكل عام في شرم الشيخ، البعيدة عن القاهرة،
وهي منطقة سهلة الحماية وبعيدة عن أعين الجمهور المصري.
ويعتبر التعاون التجاري والسياحي أحد عناصر السلام, كما أوضح وزير الخارجية المصري, أحمد أبو الغيط في تشرين الثاني عام 2007[4]. حيث ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر من 29 مليون دولار عام 2004 إلى 90 مليون دولار عام 2005، وإلى 140 مليون دولار عام 2007[5].
ورغم التحسين الطفيف في مجال التجارة, يواجه رجال الأعمال والأكاديميين
والسائحين المصريين الذين يرغبون بزيارة إسرائيل, صعوبات بيروقراطيه
وعقوبات وتنكر لهم في مصر, مقارنة بعشرات ألاف الإسرائيليين الذين زاروا
مصر خاصة منطقة سيناء[6].
وفي شهر تموز عام 2005 فقط، تجول في سيناء 737,92 ألف سائح إسرائيلي. وفي
شهر تموز من عام 2006 مكث هناك 933,48. وفي حزيران عام 2007 وصل إلى شبه
الجزيرة 22،888 إسرائيلي[7].
ورغم التحسن الذي حدث في العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وبين مصر -الذي
يمكن مضاعفته بصوره كبيره, بواسطة مناطق اقتصادية مشتركة على سبيل المثال-
وضعت قيود على المدنيين المصريين الراغبين بالتوجه لإسرائيل, وكانت هذه
القيود إشارة إضافية لـ “السلام البارد” بين الدولتين.
وفي السياق المذكور، عارض نظام الحكم, ووسائل الإعلام والنقابات المهنية في مصر التطبيع مع إسرائيل[8]. وينشر في مصر أدب معادي للسامية ولإسرائيل[9].
وحتى من كبر في مصر ،بعد التوقيع على اتفاق السلام، ما زال يحمل الكراهية
لإسرائيل بشكل أو بأخر. وما يجري هو جزء من التوجه المصري الضبابي والمزدوج
بخصوص السلام, الذي يهدف ،من ضمن ذلك، إلى منح نظام الحكم المصري إمكانية
تحويل النقد الداخلي الشديد الموجه له، نحو الجهات الخارجية.
و”السلام البارد” هو سلام هش. والعلاقات المصرية-الإسرائيلية
هي مثل الثلج الخفيف الذي تسير عليه الدولتين. ويكفي أزمة شديدة واحدة لكي
تحدث تصدعات في هذه العلاقات. وعلى ضوء ذلك، يجب دراسة العوامل التي من
شأنها إحداث أزمة.
عوامل داخلية في مصر
ويتعلق الانتقال إلى”السلام الدافئ” بعوامل داخلية في الدولتين[10]. وعليه، من الأهمية بمكان بحث العوامل الداخلية في مصر, التي من شأنها إحداث تحول في الموقف من إسرائيل.
ويدور في مصر اليوم صراعا على من يرث مبارك. وربما يؤدي هذا
الصراع إلى تولي شخصية ذات استعداد لإحداث أزمة في العلاقات مع إسرائيل.
كما أن سيطرة الأخوان المسلمين على النظام يحمل في طياته تغييرا في العلاقة
مع إسرائيل.
الصراع على الوراثة
قتل عام 1981 أنور السادات. وشكل هذا الحدث سببا لتعريض اتفاقية السلام للخطر[11].
ومنذ التوقيع على اتفاق السلام, يعتبر نظام الحكم بمصر نظاما مركزيا يعتمد
بدرجة كبيرة على شخص واحد هو الرئيس. وهذا الوضع أحد العوامل الأساسية
التي من شأنها ضعضعة الاتفاق وإحداث أزمة, وربما وقوع مواجهة بين إسرائيل
وبين مصر. وعلى أية حال، يشير طابع نظام الحكم بمصر أن اتفاق السلام هو
اتفاق هش، لأنه متعلق بموقف الرئيس وليس المؤسسة.
وتمسك الرئيس مبارك بأسس السياسة الخارجية لسلفه –السادات- الذي كان اتفاق السلام أحد عناصرها[12].
كما تصرف بنفس طريقة السادات رغم الصعوبات التي مرت فيها العلاقات
الإسرائيلية-المصرية، رغم أنها نتجت عن سياسة الرئيس نفسه أحيانا. لكن دعم
مبارك لاتفاق السلام هو أحد أسباب عدم انهياره. ويعود ذلك، لأن الرئيس في
مصر له صلاحيات واسعة جدا، ومكانته محترمة في مصر وخارجها. ومن هنا،
الأهمية القصوى لهوية خليفته.
وعلى عكس السادات، لم يعين مبارك نائبا له. وسبق أن نجا من محاولة اغتيال عام 1995[13]. لكن إذا قتل أو أصيب بجروح خطيرة سيتعرض نظام الحكم المصري لأزمة شديدة.
وتسود ،في السنوات الأخيرة، ثقافة سياسية في العالم العربي
أبرزها نقل السلطة من الآباء للأبناء. ووقع ذلك في ممالك المغرب (محمد
السادس) والأردن (عبدالله)، وامتد للجمهوريات مثل سوريا. وكاد يحدث التوريث
بجمهورية البعث في عراق صدام حسين, نظرا للصلاحيات والمكانة التي منحها
صدام حسين لأبنائه. وربما يقع التوريث مستقبلا في ليبيا.
اليوم، يبلغ حسني مبارك من العمر ثمانون عاما، وهذه هي أخر
فترة في حكمه. ويبدو أنه جهز ابنه جمال لخلافته. ومنذ عام 2000، تعرف جمال
على طرق الحكم في مصر[14].
ومن المقرر أن تنتهي فترة حكم مبارك عام 2011، وبذلك ينتهي حكمه لمصر
لفترة تشبه الفترة التي حكم فيها حافظ الأسد -ثلاثون عاما. وكما في حالة
الأسد, تزيد المشاكل الصحية التي يمر بها حسني مبارك من الضغط على جمال
الذي يعد نفسه للمنصب منذ 11 عام. وهذه فترة طويلة نسبيا. لكن يجب أن يؤخذ
بالحسبان أنه وفي بداية مسيرته عام 2000 (يبلغ جمال اليوم 45 عاما) امتلك
جمال تجربة في عالم الأعمال والبنوك فقط. وعليه، في النهاية معرفة كيفية
تعزيز مكانته وإدراك كيف يسيطر ويواجه المشاكل الصعبة والمعقدة التي تمر
بها مصر. وسبق أن ُأهل بشار الأسد بسرعة كبيرة جدا لمنصب الرئيس عام 1994
في أعقاب الموت الغير متوقع لأخيه باسل, الذي هيأه الرئيس حافظ الأسد
لخلافته. وبعد ستة أعوام فقط كان على بشار تولي منصب والده. وكما ذكر، بدأ
جمال مسيرته عام 2000، وهو ما يعتبر مسار التأهيل الخاص به لتولي الرئاسة,
وهي فترة كافية مقارنة مع بشار.
ورغم الصورة التي ُصور بها بأنه أحدث إصلاحات, استغل جمال
مكانته في حزب السلطة “الحزب الوطني الديمقراطي” من أجل الإشراف على
الإجراءات التي لم تساهم بالانفتاح السياسي. بل عمل، على تعزيز قوة المؤسسة[15].
وبصفته سكرتير عام لجنة السياسات في حزب السلطة, وهو المنصب رقم 3 من حيث
الأهمية في الحزب, عمل جمال على عدم ضعضعة الحزب, خوفا من إثارة المعارضة
له من جانب المؤسسة ذات القدرات الضخمة.
ويعتبر جمال مبارك من الشخصيات ذات التوجهات الغربية الخالصة،
التي تؤهله لإدراك أهمية تحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر كطريق لاستقرار
نظام الحكم. وإذا انتخب جمال رئيسا، يتوقع أن يتمسك باتفاقية السلام مع
إسرائيل, وإذا امتلك الفرصة لذلك, سيعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية
معها[16].
وللجيش المصري تأثير كبير ُيمكنه من معارضة إصلاحات جمال.
وعلى عكس الرؤساء السابقين. لم يخدم جمال في الجيش. ويتوقع معارضة الجيش
لأية تغييرات متعلقة بمصالحه الاقتصادية، ولإجراءات إخضاع الجيش لسلطات
مدنية[17]. وعلى جمال الحذر في المجال الاقتصادي كي لا يعارضه الجيش.
ويعتقد أن التحدي الحقيقي لجمال سيكون صراعا مع مرشحين آخرين
في حزب السلطة والمعارضة العلمانية التي تعارض عملية تمليك السلطة عند تغير
الرئيس[18].
وربما يخلف مبارك شخصية بيروقراطيه أو عسكريه مثل عمرو سليمان رئيس
المخابرات، الذي برز خلال المفاوضات بين إسرائيل ومصر وبين الفلسطينيين[19]. أو وزير الدفاع محمد طنطاوي, الذي يبدو أن صحته لن تساعده على تولي المنصب[20].
رغم قوته الكبيرة، وحكمه الذي امتد أكثر من حكم جمال عبد
الناصر, لم يحظ مبارك بالمكانة الأسطورية التي تمتع بها ناصر. وُيمكن هذا
الانطباع جهات كثيرة في مصر التحفظ من تولي جمال الرئاسة، وبحث إمكانية
الوقوف ضده. كما أن المرشحين, خاصة أولئك الموجودين في قلب المؤسسة
السياسية و/أو العسكرية ,مثل عمر سليمان، والقادرين على تجنيد دعم لمواجهة
جمال. ويجب أن لا يغيب عن البال، أن إزاحة جمال قبل الأوان, تتطلب تحالفا
من معارضيه يجبر حسني مبارك على التنحي قبل انتهاء فترة حكمه لصالح مرشح
أخر. وهذا الوضع ممكن خاصة إذا ساءت صحة مبارك و/أو اتخذ قرارا يجر مصر
لوضع خطير, مثل اتخاذ قرارات اقتصادية تؤدي لمظاهرات ضخمه متواصلة في أنحاء
الدولة, أو موت مفاجئ لمبارك يؤدي لتعيين أي مرشح ,بما في ذلك جمال, وذلك
تحت ضغط الوقت.
وفي السنوات الأخيرة, ونتيجة لضغوط أمريكية لدمقرطة مصر, وقعت
عدة تغيرات منها ما حدث في انتخابات عام 2005 حيث رشح أكثر من مرشح
للرئاسة. لكن، وكما هو متوقع فاز مبارك بأغلبية ساحقه. وفي الانتخابات
القادمة سيكون حسني مبارك شخصيه مسيطرة تستغل المؤسسة ووسائل الإعلام وجهاز
حزب السلطة وأجهزة الأمن لصالح ابنه. وفي حالة عدم قدرة مبارك على البقاء
في سدة الحكم, أو حدث تراجع بمكانة الرئيس, ومعه مراكز القوى المختلفة
للنظام المصري، سيقع انقسام في صفوفها، الأمر الذي يؤدي لتراجع إمكانية
انتخاب جمال للرئاسة, خاصة إذا كان هناك توجه في المعارضة والشعب للتصويت
ضده احتجاجا على والده و/أو على نظام الحكم .
وحتى لو جلس جمال على كرسي والده, سيجد نفسه يصارع لفترة
طويلة من أجل تعزيز سلطته. وسيحتاج لوقت من أجل التكيف مع المنصب المهم.
وفي هذه الحالة, يحتمل أن تجد مصر نفسها برئاسة شخصية ،في الفترة الأولى
على الأقل، ضعيفة نسبيا تهتم بالحفاظ على بقائها السياسي والشخصي. الأمر
الذي سيؤثر على العلاقات مع إسرائيل. وستظل الاعتبارات الداخلية للرئيس
المصري ذات قيمة كبيرة جدا في عملية اتخاذ القرارات بخصوص العلاقات مع
إسرائيل, خاصة في فترة عدم الاستقرار مصر. حيث أن تصريحا غير ملائم من شأنه
أن يوتر العلاقة بين الدولتين.
احتمال سيطرة الاخوان المسلمين على النظام
يحتمل أن يسيطر الإسلام المتطرف على مصر[21].
وربما تقع هذه السيطرة في أعقاب انتخابات ديمقراطية, أو حرب أهلية أو ثورة
مثل التي وقعت في إيران. وسوف نبحث باختصار في السيناريوهات الثلاثة:
سيطرة الإسلام المتطرف على مصر بواسطة الانتخابات: من
أجل الالتفاف على منع نشاطهم السياسي, قدم الاخوان المسلمين مرشحيهم
لانتخابات برلمان عام 2005 كمرشحين مستقلين. ونتيجة للانتخابات, حصل
مرشحيهم على 88 مقعد من أصل 454 مقعد في البرلمان[22]. ويبدو أن مبارك أراد من وراء هذه النتائج أن يوضح للولايات المتحدة أن البديل الوحيد لنهجه هو الإسلام المتطرف[23].
وعلى أية حال، مكنت نتائج الانتخابات الرئيس المصري أن يعرض الاخوان
المسلمين على أنهم حركه تستخدم الديمقراطية من أجل السيطرة على مصر[24].
وربما يعزز الاخوان قوتهم البرلمانية مستقبلا لدرجة الحصول على أغلبية
برلمانية, تمكنهم من ترشيح شخصية مؤيدة لهم للرئاسة. خاصة إذا كان النظام
منقسم وضعيف.
سيطرة الإسلام المتطرف على مصر في أعقاب حرب أهلية: حصلت
الحركة الإسلامية في الجزائر على أغلبية في الانتخابات البرلمانية التي
جرت عام 1991. لكن الجيش الذي خشي من تراجع مكانته وامتيازاته ألغى
الانتخابات. ودفعت هذه الخطوة إلى اندلاع حرب أهلية قتل فيها 150 ألف شخص[25]. وفي تسعينيات القرن الماضي خاض النظام المصري صراعا عنيفا وناجحا ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة[26]. وأقلقت سيطرة حماس على قطاع غزه في صيف 2007 مصر التي خشيت بأن تصبح هذه الخطوة نموذجا يحتذى لحركات إسلامية متطرفة في مصر[27]. وفي مصر بعد مبارك، يحتمل اندلاع مواجهة بين الجيش وبين الحركة الإسلامية[28].
وإذا استمر الصراع، ستسود حالة من عدم الوضوح في العلاقات
الإسرائيلية-المصرية. ومن أجل تعزيز مكانتهم، ربما يستغل قادة الجيش
الأوضاع ويطلبون من إسرائيل تقديم تنازلات بخصوص اتفاق السلام. ومطالب
مصرية ,خاصة إذا تعلقت بإخلاء سيناء من السلاح، من شأنها أن تفسر إسرائيليا
على أن هذه المطالب ليس لها صلة بالصراع مع الاخوان المسلمين. الأمر الذي
يؤدي إلى توترات متبادلة بين الدولتين. وبشكل أو بأخر، فإن حرب أهليه ستعرض
الجيش المصري لخسارة, خاصة إذا تفككت أجزاء كبيرة منه أو اندمجت مع
الاخوان المسلمين. وربما تحدث إمكانية أخرى بهدف منع هزيمة الجيش, وهي
اضطراره للموافقة على حل وسط، يكون العداء لإسرائيل أحد عناصره.
السيطرة على مصر بواسطة ثورة حسب النموذج الإيراني: يحتمل
حدوث ثورة في مصر كتلك التي وقعت في إيران عام 1979. ويحتمل أن تبدأ
الثورة بأزمة داخلية شديدة يعبر عنها بشلل اقتصادي وتحركات شعبيه تستغل من
قبل الاخوان المسلمين بهدف تعزيز مكانتهم, خاصة إذا أظهر نظام الحكم وهن
وضعف. أو أن يتدهور الوضع الصحي لمبارك, مما يؤدي لإضعافه وتراجع مكانته,
كما حدث لشاه إيران في حينه. وتدهور مكانة مبارك من شأنها تشجيع معارضيه
على توجيه انتقادات أكثر للنظام المترنح بواسطة مظاهرات ضخمه. ويحتمل تعاون
الاخوان المسلمين مع جهات أخرى في المعارضة, الذين ستحيدهم بعد سيطرتهم
على مراكز القوى في الدولة, كما حدث في إيران. ويحتمل أن لا يواجه الجيش
المصري, مثله مثل الإيراني, موجات المظاهرات ضد النظام خشية الانهيار,
عندما يرفض قادة الجيش والجنود قمع أبناء شعبهم, وربما ينضمون للجهات
المعارضة. وإذا شعر النظام المصري انه يفقد السيطرة, ربما تكون أحد خطواته
هي تشجيع وزيادة اللهجة ضد إسرائيل في محاولة منه لإعادة الاستقرار وتصدير
الغضب والنقد نحو الخارج. وربما يحاول النظام المبادرة إلى احتكاك, ربما
يكون عنيفا نحو إسرائيل, مثل حدوث مواجهات مقلصه في سيناء. وحتى لو كانت
النية المصرية خوض مواجهة محدودة مع إسرائيل بصورة غير مباشره, أو بواسطة
مثل مواجهة بين إسرائيل وبين الفلسطينيين, فإن ذلك يعتبر إجراء يثير مشاكل
كثيرة جدا بالنسبة لإسرائيل. وربما يصعد النظام المصري المواجهات في
المنطقة وتدخل فيها مصر في مشاكل داخليه تؤدي إلى نمو نظام إسلامي متطرف.
وانعكاس هذه التطورات يؤدي لحدوث توتر إسرائيلي–مصري, هذا إذا لم تقطع
العلاقات أو تدخل في مرحلة جمود.
عوامل إقليمية
تعتبر إيران وسوريا والفلسطينيين من الجهات الأساسية في
الحلبة الإقليمية. وسياسة هذه الأطراف تؤثر على اتفاق السلام مع مصر وعلى
العلاقات المصرية-الإسرائيلية. وسوف نتحدث عن هذه العوامل باختصار:
التحدي الإيراني
تتزايد المخاوف المصرية من تصاعد القوة الإيرانية في الشرق الأوسط, وهي قوة صاعدة وإقليمية وذات طموحات نووية[29].
ورغم العداء التقليدي بين الدول العربية, إلا أنها تعارض وبشده سيطرة طرف
غير عربي, مثل إيران على المنطقة, لأن ذلك سيدمر سيادتها. ولن ترغب الدول
العربية خاصة مصر, بالعودة إلى الأيام التي سيطرت فيها قوة أجنبية عليهم.
وتعتبر إيران والإمبراطورية العثمانية في حينها, جزءا من الشرق الأوسط,
وليست جسما غريبا مثل الأوروبيين الذين سيطروا في الماضي. وتجد الدول
العربية صعوبة في إعاقة حقها بالعمل في المنطقة. وإيران مثلها مثل مصر
تفتخر بتاريخ عمره ألاف السنوات, وكانت الإمبراطورية الفارسية إمبراطورية
ضخمه وكبيرة. إضافة على ذلك، مساحة إيران أكبر من مساحة مصر ومواردها
الطبيعية ضخمة مقارنة بمصر. ورغم أن الدول العربية ستقف إلى جانب مصر ضد
إيران، لكن ضعف هذه الدول سيبقيها معزولة أمام إيران.
وإذا حصلت إيران على السلاح النووي سيكون لها ميزة إضافية
وجوهريه على مصر. ورغم أن الدولتين مسلمتين ,فان إيران تختلف عن مصر
بعنصرين مركزيان هما: الأول, موقفها ونظريتها الإسلامية المتطرفة التي تشكل تحديا للأنظمة العربية مثل مصر. والثاني، هويتها الشيعية ,المقلقة للدول ذات الأغلبية السنية مثل مصر.
وتخشى مصر من إيران بسبب قوتها الديموغرافية والاقتصادية
والعسكرية ,خاصة إذا تضمنت هذه القوة السلاح النووي. وفي عهد جمال عبد
الناصر, اعتمدت مصر على مزيج من القوة الديموغرافية والعسكرية من أجل تقديم
نموذج ثوري ومتطرف خاص بها. كما أنها استخدمت قوتها من أجل زعزعة استقرار
الأنظمة العربية واستبدال قيادات هذه الدول بقيادات مؤيدة لمصر. ومن
المتوقع، أن تتصرف إيران مثل مصر التي تدرك انعكاسات ذلك. هذا الخوف من
شانه دفع مصر إلى الحصول على سلاح نووي, الأمر الذي يؤثر على علاقات مصر مع
إسرائيل .
وسبق لمصر أن أوقفت مخططاتها العسكرية النووية في سبعينيات القرن الماضي[30]. كما أن تدني المشروع النووي المصري ،مقارنة بإسرائيل، شوش المساعي المصرية للسيطرة على العالم العربي[31]. وفي بداية كانون الثاني عام 2007 طرح مبارك إمكانية تطلع مصر لسلاح نووي تخلق من خلاله توازنا مع قوة إيران النووية[32].
وربما يمتنع النظام المصري عن السعي إلى تحويل نفسه لقوة
نووية لأن ذلك يتطلب موارد اقتصادية ضخمة، تؤثر على الساحة المصرية
الداخلية، وتؤدي لحدوث قلاقل. ومع ذلك, فإن محاولة مصر الحصول على قدرات
نووية, ستدفع إسرائيل إلى إعاقة المشروع النووي المصري, مما يحدث توترا
إضافيا بين الدولتين.
وفي السنوات الأخيرة، أشار التخريب والإعاقة الذي تعرض له المشروع النووي الإيراني، على أنه من فعل إسرائيلي[33].
وفي هذا السياق، يتوقع قيام إسرائيل بمحاولة إعاقة المشروع النووي المصري.
وإذا اكتشفت مصر أن إسرائيل تحاول تخريب مشروعها، سيتعرض اتفاق السلام بين
الدولتين لخطر كبير.
ويحتمل أن تعمل إسرائيل على اتخاذ خطوات علنية في المجال
السياسي بهدف إعاقة إنتاج سلاح نووي في مصر, خاصة بواسطة الولايات المتحدة.
ويعتقد أن المشروع النووي المصري يحتاج إلى وقت طويل في حال بدءه. ومع
ذلك، يجب أن يؤخذ بالحسبان ,خاصة إذا أصبحت إيران قوة نووية, أن الدول
العربية ذات الأغلبية السنية ستتعاون فيما بينها من أجل الحصول على
“القنبلة السنية”. ومثل هذا التعاون ,على ضوء خوف دول الخليج من إيران نظرا
لغناها الفاحش, يساعد مصر في الحصول على سلاح نووي, خاصة إذا أمكن شراؤه
من باكستان على سبيل المثال. ورغم التأكيد على أن الحلف النووي السني سيكون
موجها ضد إيران. لكن على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان أن امتلاك مصر للسلاح
النووي سيكون له انعكاسات بعيدة المدى عليها.
طريقة أخرى لمواجهة الموضوع النووي الإسرائيلي، ربما تكون في
محاولة إجبارها على التنازل عن مشروعها النووي الخاص بها في محاولة لإخلاء
كل المنطقة من السلاح النووي. ويشار أن مصر تسعى إلى نزع سلاح إسرائيل
النووي بهدف تقليص تأثيرها وقوتها في المنطقة[34].
وربما تكون المناورة المصرية في المجال النووي جزءا من الجهود المتواصلة
الهادفة لدفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات من دون أن يكون لمصر نوايا حقيقية
بتطوير سلاح نووي. وطالما لم تمتلك إيران سلاحا نوويا، ستشعر مصر أن الوقت
غير ملائم لها لطلب إخلاء منطقة الشرق الأوسط من هذا السلاح. وحتى لو
امتلكت إيران السلاح النووي، ربما ُتقدر مصر أن بإمكانها المبادرة بخطوة
تبدأ بنزع السلاح النووي الإسرائيلي، ومن ثم إيران.
ويحتمل أن تتبنى مصر موقفا هجوميا وإحداث أزمة شديدة, بهدف
طرح الموضوع النووي على جدول الأعمال الدولي، والضغط على إسرائيل من أجل
تقديم تنازلات كبيرة في هذا الموضوع. واحتمال قيام مصر بمثل هذه الخطوة
سيزداد إذا حكم مصر رئيس أو نظام معاد لإسرائيل, أو نظام أقل حذرا من نظام
مبارك.
فلسطينيو القطاع كعامل توتر بين إسرائيل ومصر
ترى مصر نفسها على أنها دولة قائدة بالمنطقة، ونظرا لقربها
المادي تهتم مصر بالصراع العنيف بين إسرائيل وسلطة حماس في قطاع غزة. وهنا
يطرح السؤال, ما هو احتمال حدوث أزمة أو مواجهة بين إسرائيل ومصر بسبب
الفلسطينيين ؟.
خلال عام 2007 دربت مصر أعضاء من حركة فتح، ومن ضمنهم قوة 17 بمعسكرات الجيش المصري, تحضيرا لهم لخوض مواجهات مع حماس[35].
لكن هذا الجهد لم ينجح. وفي حزيران عام 2007، هزمت حماس قوات فتح بمعركة
قصيرة. وتفضل مصر وإسرائيل -مع كل التناقضات والمصالح والخلافات بينهما
وبين سلطة حماس- سلطة فتح حتى في ظل الواقع الذي ساد. لأن سيطرة حماس أضعفت
التأثير المصري على قطاع غزة, ومعها احتمال منع حدوث احتكاك بين
الفلسطينيين وبين إسرائيل, لمنع توتر العلاقات المصرية–الإسرائيلية.
وسمحت مصر انتقال الأسلحة وخبراء المتفجرات والقنص والقذائف من سيناء إلى قطاع غزة[36].
ويبدو أن الإجراء المذكور لم يكن نتيجة لسياسة مصرية حاسمة. بل جاءت،
نتيجة صعوبات في منع إدخال هذه الأسلحة. وبشكل أو بأخر، تحول قطاع غزة إلى
نموذج إسلامي متطرف, من شانه أن يتحول لملجأ أو ساحة تدريب للاخوان
المسلمين في مصر, في حالة حدوث صدام داخلي مع نظام الحكم. ووسائل القتال
والذخيرة والخبرة والخبراء في الحرب الشعبية والإرهاب الذين ذهبوا للقطاع
من سيناء، يمكنهم العودة إلى الاتجاه المعاكس،أي إلى مصر. ومن شأن هذه
الخطوة، بحال حدوثها أن تعرض نظام الحكم المصري، وفي أعقابها اتفاق السلام
مع إسرائيل للخطر.
وانتقال المستشارين والأسلحة من سيناء لقطاع غزة من فوق الأرض
وأسفلها, زاد من كميات الوسائل القتالية للفلسطينيين. حيث ساهمت هذه
الزيادة في محاولات التسلل إلى إسرائيل, واستمرار إطلاق الصواريخ على
تجمعات ومعسكرات الجيش الإسرائيلي القريبة من قطاع غزة. وتسبب إطلاق
الصواريخ إلى وقوع إصابات وأضرار وهلع وخوف في أوساط السكان الإسرائيليين،
وأحيانا في أوساط الجنود. ونتيجة لذلك، شنت إسرائيل, في شهر كانون أول عام
2008 وكانون الثاني عام 2009, حربا واسعة النطاق ضد قطاع غزة. وربما تحدث
هذه المواجهة مرة أخرى, خاصة إذا لم تنجح مصر في إيقاف التهريب من سيناء.
ويكفي سقوط صاروخا واحدا ،موقعا الضحايا، إلى إشعال المواجهة مرة أخرى.
وبالإضافة لذلك، هناك خطر من قيام خلية فلسطينية مسلحة بالتسلل لإسرائيل من
خلال نفق أو من خلال التسلل إليها من سيناء, وإيقاع خسائر كبيرة في صفوف
الإسرائيليين, وربما أخذ رهائن. ونظرا لحساسية المجتمع الإسرائيلي للقتلى
والأسرى, فإن ذلك الحدث بإمكانه إشعال المنطقة من جديد. ويحتمل أن تقوم
إسرائيل بخطوة مفاجئة ،وليس بالضرورة في أعقاب تحريض عنيف من حماس, بإعادة
احتلال كامل قطاع غزة, الأمر الذي يرافقه مواجهة مباشرة وشاملة مع حماس.
وفي كل السيناريوهات المذكورة أعلاه سيتعرض سكان غزة لخسائر كبيرة. الأمر
الذي سيزيد التوتر بين مصر وبين إسرائيل.
ووجود إسرائيلي متواصل في قطاع غزة, الذي سيشهد مواجهات عنيفة
،مع عناصر مختلفة، مثل حرب عصابات وعمليات إرهابية, يخلق وضع دائم من
التوتر بين إسرائيل ومصر. وسيكون نظام الحكم المصري راضيا من الضربات
الموجهة لحماس، لكنه سيجد صعوبة في تجاهل الخسائر الكبيرة والمعاناة التي
يتعرض لها الفلسطينيين. الأمر، الذي يدعوها لتحميل إسرائيل مسؤولية ذلك، أو
أن تتدخل مصر نفسها في هذا الصراع. ونتيجة للسيناريو المذكور سيتعرض
النظام الحاكم في مصر لضغوط داخلية وخارجية من أجل مساعدة الفلسطينيين حتى
في المجال العسكري. وفي السياق المذكور يحتمل أن تحاول مصر الالتفاف على
إخلاء سيناء من خلال إرسال قوة ولو رمزية عن طريق الجو أو البر. وحتى إذا
سعت مصر إلى الفصل بين الجيش الإسرائيلي وبين الفلسطينيين، سيكون هذا
التصرف عنصر تفجير. ويكفي تعاطف مصري ليس له علاقة مباشرة بقطاع غزة ,مثل
احتجاج دبلوماسي ضد إسرائيل أو رفع درجة التأهب في الجيش المصري، كي يزيد
التوتر بين مصر وبين إسرائيل.
واستمرار التهريب من قطاع غزة، سيمد القطاع بصواريخ إيرانية تصل حتى تل أبيب, وهو أمر إن حصل سيعرض السلام بين إسرائيل ومصر للخطر[37].
وانتشار الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في المنطقة الواقعة بين قطاع غزة
ومصر بهدف منع التهريب, ربما يحدث احتكاك بين القوات المصرية وبين الجيش
الإسرائيلي, وسوف تزداد احتمالات حدوث هذا الاحتكاك إذا انتشر الجيش
الإسرائيلي قرب الحدود بين قطاع غزة وبين مصر.
وأشكك بأن قوة دولية تنتشر في قطاع غزة تضم وجودا عسكريا
مصريا بارزا يمنع أو يقلص الاحتكاك بين إسرائيل والفلسطينيين. ووجود مصري
في قوة متعددة الجنسيات من شأنه أن يرفع حدة التوتر بين مصر وبين إسرائيل.
مسألة إخلاء سيناء
تخضع المنطقة الواقعة شرق معابر سيناء للسيادة المصرية. لكن
هناك قيود على نشر القوات المصرية في هذه المنطقة. ويعتبر هذا الوضع
بالنسبة لمصر خطرا على أمنها وإهانة وطنية. ومن وجهة النظر الإسرائيلية،
تعتبر القيود ضرورية لمنع أي انتشار عسكري مكثف في شبه جزيرة سيناء، لمنع
إعادة البنية العسكرية المصرية في هذه المنطقة. ومن هنا ينبع الإصرار
الإسرائيلي على منع خرق إخلاء سيناء من الأسلحة. ويعد تناقض المصالح
الأساسي هذا، الذي يرافق الدولتين منذ الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، عامل
توتر دائم بين الدولتين.
ويتوقع أن تخطو مصر خطوة نحو خرق الإخلاء، في حال تراجع مكانة
إسرائيل سياسيا، أو اندلعت مواجهة أخرى بالجبهة الشمالية تتوغل فيها
القوات الإسرائيلية بالأراضي السورية أو اللبنانية. حينها، يمكن لمصر
استغلال مكانة إسرائيل المتدهورة بالمجتمع الدولي من أجل نشر قواتها في
سيناء, وتبرر ذلك على أنه خطوة دفاعية. وربما لا تعلن مصر عن إلغاء اتفاقية
السلام بشكل رسمي، بل تستغل ذلك من أجل إعطاء نفسها مظلة لإعادة انتشار
قواتها في سيناء ضد إسرائيل، بحجة أن الانتشار يتم على أراضي ذات سيادة
مصرية. وفي مثل هذا الوضع، ستجد إسرائيل صعوبة بالحصول على مظلة دولية لشن
حملة عسكرية على مصر.
بعد أخر مرتبط بإخلاء سيناء يتعلق مباشرة بالفلسطينيين، حيث
يمكن استخدامها ليس فقط كقاعدة إمداد لهم في القطاع، بل ساحة يقفزون منها
لإسرائيل من أجل شن هجمات عليها. ووجود الأنفاق وتدمير الحدود في رفح مع
مصر عام 2008 أكدت على الخطر الذي تواجهه إسرائيل. وحدود إسرائيل مع مصر
أطول بكثير مع حدودها مع قطاع غزة، ولا توجد فيها محطات إنذار. ومن السهل
على الفلسطينيين التوغل لإسرائيل من منطقة مصرية أكثر من قطاع غزة, الأمر
الذي يزيد من احتمالات شن هجمات ومطاردات لخلية فلسطينية مسلحة في أنحاء
النقب. وحتى لو علمت إسرائيل، أن مصر تعارض وربما تبذل جهودا كإجراء وقائي
لمنع العمليات. لكن، لا يمكن تجاهل أن الخلية خرجت مباشرة من مصر. وعلى
إسرائيل الاستعداد لمثل هذه التسللات بنسب عالية جدا من سيناء إلى النقب.
كما عليها الاستعداد من أجل المساعدة في تقليص تهريب المخدرات ووقف الهجرة
غير الشرعية لأراضيها .
وفي بداية تشرين الثاني عام 2007 عبرت إسرائيل عن رفضها زيادة
عدد الجنود المصريين على حدود قطاع غزة في إطار مقاومة التهريب. وادعت
إسرائيل أن مصر لم تعمل بما فيه الكفاية بـ 750 جندي من حرس الحدود, الذين
سمح لهم الانتشار بتلك المنطقة في أعقاب انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام
2005[38]. وادعت إسرائيل أن الهدف المصري هو الالتفاف على إخلاء سيناء من الأسلحة الذي اتفق عليه في اتفاق السلام[39]. وربما أعاقت قيود اتفاق السلام ،انتشار الجيش المصري في سيناء, قيام مصر بمنع التهريب لقطاع غزة[40].
لكن القيام بمهمة منع التهريب لا يلزم بالضرورة جيش, بل قوة فعالة ومدربة
ذات طابع شرطي. ومن وجهة النظر المصرية, يعتبر إرسال الجيش لشبه جزيرة
سيناء, ولو بأعداد محدودة, تعبيرا عن أهمية رمزية ذات قيمة كبيرة لمصر. حيث
تعزز هذه الخطوة سيادتها على سيناء, وربما يدفعها ذلك إلى تطبيق سيطرتها
على المنطقة. لكن، لا توجد ضمانات بأن هذه الخطوة ستدفع مصر لمنع تحويل
سيناء كقاعدة إمداد وتنفيذ عمليات فلسطينية ضد إسرائيل.
وفي نهاية الأمر, يحتمل أن توافق إسرائيل على انتشار مصري
استثنائي ولفترة محدودة يمنح إسرائيل الفترة الكافية للاستعداد لوقف التسلل
البري إليها من سيناء وتطوير أسلحة مضادة للصواريخ المطلقة من قطاع غزة.
وحتى إذا ساعدت هذه الخطوة على تقليص التهريب من سيناء حتى نهاية الفترة
المحددة لذلك, فإن أزمة بين الدولتين ستقع عندما تطلب إسرائيل انسحاب
القوات المصرية من سيناء.
تدخل مصري في حرب بين إسرائيل وبين سوريا
لو وقعت الحرب في إطار التوتر بين إسرائيل وسوريا عام 1996, لما وقفت مصر مكتوفة الأيدي[41].
والاستعداد المصري يجب أن لا يخضع لامتحان. وحدوث حرب بين إسرائيل وبين
سوريا في المستقبل، يؤدي لممارسة ضغوط على النظام المصري من أجل المشاركة
في الحرب مع سوريا. وحتى لو اكتفت مصر بزيادة انتشار قواتها في سيناء ،وهو
ما ستعتبره إسرائيل خرقا لمبدأ إخلاء سيناء من الأسلحة. فإن مصر تخشى من
تجنيد إسرائيل معظم أو كل قواتها, وربما تستغل ذلك لتوجيه ضربة مكثفة ضد
سوريا وضد من يساعدها, ولو بصورة غير فعالة. كما تأخذ مصر بالحسبان أن
الجيش الإسرائيلي سيكون مصرا على إثبات قدراته. ويشار أن الجيشان المصري
والسوري -ليسا مثل تنظيم حزب الله الذي يخوض حرب عصابات- يهددان إسرائيل
أكثر من التنظيم، إلا أنهما قابلان للضرب جوا بسبب وجود بنية تحتية من
قواعد عسكرية وأسلحة مثل الدبابات المكشوفة. كما أن مصر لن تخاطر خوفا من
رد فعل إسرائيلي يتضمن إعادة احتلال في سيناء, وتدرك أنها ،بعد مواجهات،
ستجد صعوبات كبيرة لاستعادة ما فقدته في سيناء، خصوصا إذا ساد انطباع في
العالم أن مصر هي من اخترقت اتفاق السلام.
وإذا حاولت مصر التهرب من تدخل عسكري لصالح سوريا، فإن سعيها
-كدولة ذات القدرات العسكرية الأكبر- لتصبح قائدة العالم العربي ستفشل.
وستدعي سوريا أن مصر تتهرب من دورها كأكبر دولة عربية ومن امتلاكها أقوى
جيش عربي. وهناك إمكانية أخرى، وهي بقاء مصر خارج المعركة, لكنها ترسل
لإسرائيل رسائل بعدم الذهاب بعيدا في الحرب مثل التقدم البري وقصف العمق
السوري, من أجل منع زيادة الضغط على مصر لمساعدة سوريا.
وإذا هاجمت سوريا إسرائيل ستجد مصر سهولة أكبر في الامتناع عن
انضمامها للمعركة. وربما يحذو العالم العربي حذو مصر, خاصة الدول التي
تخشى من إيران، حيث سيفسر الهجوم السوري على أنه خطوة متسرعة هدفه زعزعة
الاستقرار في المنطقة, وإزاحة الانتباه عن الخطر الإيراني. ومثل هذه الحالة
تسهل على مصر أن تشرح لماذا لم تهب قواتها لمساعدة سوريا، ومنع دول أخرى
من الانضمام للهجوم السوري, وأن الموقف المصري الحيادي ليس هو الموقف
الوحيد في العالم العربي.
وفي نفس السياق، يشار أن هزيمة العراق عام 1991 أضعفت الجبهة الشرقية[42]
المعادية لإسرائيل. وفي عام 2003 سقطت كليا بعد احتلال العراق من قبل
الولايات المتحدة. ونتيجة ذلك، قد تضطر سوريا المعزولة طلب الاستعانة من
إيران. غير أن مصر لن ترتاح لمثل هذه الخطوة خوفا من أن تعمق الحرب السيطرة
الإيرانية على سوريا ومحيطها، أو أن تشجع سوريا على تصعيد الحرب، وجر مصر
إليها في هذه الحرب. ومنذ البداية، يحتمل أن تشجع إيران سورية على القتال،
خصوصا إذا ُصورت إسرائيل على أنها دولة ضعيفة، بعد انسحاب القوات الأمريكية
من العراق و/أو في أعقاب سياسة أكثر انعزالية من القوة العظمى.
ومن المؤكد تقريبا، أن مصر ستعارض خطوة سورية مستقلة محدودة،
مثل شن هجوم خاطف على الجولان، أو شن هجوم بواسطة حزب الله في لبنان. لكن
إسرائيل، التي لن ترق لها المبادرة العسكرية السورية، حتى لو كان هدفها
الضغط عليها من أجل التنازل عن هضبة الجولان.
وفي نهاية الأمر، ستعمل الدولتين (مصر وإسرائيل) على منع الصدام بينهما، رغم التوتر بين الجانبين، نتيجة وقوع حرب إسرائيلية-سورية.
خلاصة
تتوفر احتمالات إلغاء اتفاق السلام الإسرائيلي-المصري، وربما
يتطور الوضع لحدوث حرب بين الدولتين نتيجة العوامل المذكورة في المجالين
المصري الداخلي والإقليمي.
ففي المجال المصري الداخلي، يترأس حسني مبارك منصب الرئاسة
لأخر ولاية. ولهذا الهدف يعد ويجهز ابنه جمال لوراثته. ومع ذلك، تطرح عدم
تجربة جمال الكافية، الشكوك بإمكانية فوزه في انتخابات الرئاسة وبقائه
بالمنصب. والنجاح أو الفشل متعلق كثيرا برغبة المؤسسة ،خاصة الجيش وأجهزة
الأمن، بدعمه. ويحتمل تطور حالة من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية بين
مراكز القوى في أجهزة السلطة المختلفة مع زيادة المواقف المعادية لإسرائيل،
كوسيلة لجمع المؤيدين. وهناك إمكانية أن يكون الرئيس القادم في مصر معاد
لإسرائيل، الأمر الذي يزيد من إمكانية حدوث أزمات شديدة في أحيان متفاوتة،
تتسبب في إلغاء اتفاق السلام، وربما وقوع حرب بين الدولتين.
ويحتمل أن ينجح الإسلام المتطرف في السيطرة على الدولة بواسطة
انتخابات ديمقراطية، أو من خلال حرب أهلية. وهناك إمكانية حدوث ثورة شبيهة
بتلك التي وقعت بإيران في أواخر سبعينيات القرن الماضي. ومن شأن هذا
التطور أن يضعضع اتفاق السلام أو يؤدي لقطع العلاقات بين إسرائيل ومصر.
وفي المجال الإقليمي يشجع ،صعود قوة إيران خاصة في المجال
النووي، مصر لعودة سعيها للحصول على سلاح نووي. الأمر الذي يقوض علاقاتها
بإسرائيل. ومن دون أية خطوة في الموضوع النووي الإيراني، ستتعرض العلاقات
الإسرائيلية المصرية للضرر، نتيجة لرغبة مصر الجامحة بتقييد قوة إسرائيل
النووية.
ووقوع مصادمات بين إسرائيل والفلسطينيين، يحدث توترا
بالعلاقات الإسرائيلية المصرية ليس فقط بسبب الفلسطينيين بشكل عام، وفي
قطاع غزة بشكل خاص. كذلك، أشك أن مصر ستنجر وراء مغامرة عسكرية خطيرة إذا
بادرت سوريا لشن الحرب ضد إسرائيل.
ورغم المخاوف الإسرائيلية من القدرات العسكرية المتزايدة
والمتطورة ومن النوايا المصرية، فإن مبادرة إسرائيل لشن حرب على مصر، يجب
أن يكون الخيار الأخير. وعلى ضوء ذلك، على إسرائيل بذل جهود لتحييد العناصر
التي من شأنها إشعال مواجهة مع مصر، خاصة في العوامل المفجرة مثل دعم مرشح
مقبول على إسرائيل، أو بخصوص مسألة إخلاء سيناء.
وإذا كان وريث حسني مبارك مريحا لإسرائيل، عليها الامتناع عن
دعمه بصورة مباشرة وعلنية. ومع ذلك ربما تستطيع التسهيل عليه بصورة غير
مباشرة، ومن دون التنسيق معه مثل تشجيع ،ولو بصورة غير رسمية، وعلى أوروبا
والولايات المتحدة على مساعدة مصر في المجال الاقتصادي، الأمر الذي يساهم
في تعزيز مكانته كرئيس جديد.
وعلى إسرائيل تحذير وإنذار مصر من مغبة محاولة إلغاء إخلاء
سيناء من السلاح. لكنها ستضطر لبحث موقفها من سيناء من جديد، وبالتالي من
مصر.
وهناك عدة عوامل وسيناريوهات يمكنها أن تؤثر على مستقبل اتفاق
السلام بين إسرائيل وبين مصر. ويبدو أن أهمها ،الذي سيؤثر على غيره، ستكون
مسألة وريث حسني مبارك، بسبب أهمية منصب الرئيس في مصر. وتنتهي ولاية
الرئيس في عام 2011. وحتى ذلك الوقت، تملك إسرائيل عامين للاستعداد لكل
الاحتمالات.