عندما يمرض أحد أقاربنا أو أحد الأشخاص المهمين فى حياتنا – عفاكم الله جميعا – نشعر بأن أحدا لم يمرض فى العالم غيره.. ونشعر بضرورة تواجد الأطباء حوله 24 ساعة، وأن المستشفى الذى يتواجد فيه قريبنا هذا قد بُنى خصيصا من أجله هو فقط.. على حين نلاحظ أن الأطباء يتعاملون مع مريضنا هذا بنوع من الاعتيادية – التى نراها نحن نوعا من أنواع عدم الاكتراث – ويترددون عليه فى المواعيد المناسبة التى تحافظ عليه وعلى سلامته وتحافظ فى نفس الوقت على إمكانية مباشرة مرضى غيره. هذا هو الفارق بيننا نحن الجمهور وبين الأطباء المعتادين على التعامل مع المرضى.. بلغة أخرى، هذا هو الفارق بين السلوك المحترف والسلوك المتعاطف. وهكذا المحامون والمهندسون وكل المهن والحرف الأخرى. نحن نمر فى هذه الفترة بأحداث مؤسفة ومضنية وكارثية فى قطاع غزة.. ونتعامل – نحن الجمهور – بأسلوب متعاطف يحكمنا فيه تعاطفنا هذا وصلة الدم والعروبة والدين والجيرة وصلة الإنسانية بكل معانيها.. أما الجيش المصرى فيتعامل مع الموضوع بشكل مختلف تماما.
إن منظر الحروب والدماء والدمار والمبانى المهدمة بالنسبة لنا – نحن المدنيين - هى مناظر مفجعة ومؤثرة لا نراها إلّا فى أفلام الإثارة والخيال العلمى أو فى نشرات الأخبار.. أما ضابط الجيش فيتعامل معها بشكل اعتيادى ويدرسها منذ شبابه ويراها بشكل مختلف عن الشكل الذى نراه نحن المواطنين العاديين. وإذا كان الأطباء فقط هم من يقدرون حالة المرضى ويصفون علاجهم دون تدخل عاطفى من أقارب المريض.. والمهندسون فقط هم من يقدرون وزن وكَمّ الأحمال التى يجب أن توضع فى نقاط الارتكاز بالمبانى بدون تدخل على هوى أصحاب المبانى أنفسهم.. والمحامون هم من يحددون الإجراءات الوقائية الحامية للأشخاص من الوقوع تحت وطأة القانون دون تدخل من هوى أصحاب العقود.. وعلماء الدين هم من يحددون نقاط الحلال والحرام والخلاف فى المعاملات الإنسانية بما تعلموا وفقهوا من علوم الدين وهكذا إلى آخر الحرف والمهن والخبرات. وأحسبه هو قصد المولى عز وجل فى قوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، إذا كان الوضع هكذا.. وإذا كانت أزمة غزة هى أزمة حرب فلماذا لا نترك أهل الحرب يتحدثون؟
أنا شخصيا أثق فى تقديرات الجيش المصرى للموقف.. قيادات الجيش المصرى هم «فقط» من يعلمون قدراتهم وقدرات عدوهم الإسرائيلى والأبعاد الكثيرة الأخرى التى لا علم لنا بها، وذلك ليس جهلا منّا ولكنها طبيعة الأمور أن يعرف أهل الطب كيف يعالجون ويعرف أهل البناء كيف يشيدون ويعرف أهل القانون كيف يحمون موكليهم ويعرف أهل الحرب كيف ومتى يصطدمون وكيف ومتى يتفاوضون. إن مناظر دماء أهلنا الفلسطينيين التى يريقها الجيش الصهيونى فى قطاع غزة تجعلنا نشتاق للشهادة كل لحظة فى سبيل القضاء على هذا الكيان المغتصب ولكن هذه المشاعر وحدها لا تصلح لتقييم الوضع ولا تصلح لاتخاذ قرارات بشأن الحروب لأننا – نحن المدنيين – لا علم لنا باستراتيجيات الحرب وأدواتها ومحاور المكسب والهزيمة. أدعو الله أن يوفق ويلهم قيادات الجيش المصرى لإنقاذ أهلنا الفلسطينيين فى قطاع غزة بأسرع وسيلة وأن يحبط المحاولات الخائنة التى تشوش على عمل المؤسسة العسكرية المصرية، سواء فى الداخل أو فى الخارج، اللهم تقبل شهداءنا فى مصر وشهداءنا فى غزة واحقن دماءنا فى كل مكان وزمان.. أنت أهل ذلك والقادر عليه