يؤمن أتباع الديانات السماوية بأن للشيطان.. أياً كان اسمه فى الكتب المقدسة.. رسالة ظلامية.. تكمن فى هدم الدين وتزييف معرفة الإنسان بماهية المعانى والصفات لكل ما حوله.. ومن ثم فقدان الإنسان لملامح رسالته.. ولمعرفته بالخالق.
كل الأديان ذاقت عبر العصور تبعات سيطرة الرؤية الأحادية والفكر المتطرف على سياسة الجماعات والمؤسسات صاحبة النفوذ والتأثير.
وأعظم الأمثلة التى كنا نسوقها هى سطوة الڤاتيكان فى القرون الوسطى على وعى وأرواح المجتمعات الأوروبية.. حينما احتكرت الكنيسة الكاثوليكية لنفسها تمثيل السلطة الإلهية على الأرض.. وحاربت العلم وحجَّمت العلماء.. وأزهقت أرواح الملايين من النساء لمجرد بحثهن عن مخرج من ظلمات الجهل والمرض عبر الاهتمام بمراقبة الطبيعة والتعالج بالأعشاب.. بعد أن اتُّهِمن بممارسة أعمال الدجل والشعوذة المؤدية للكفر.. والهرطقة.. والتجديف.
وأنشأت المؤسسة الكنسية التى احتكرت الحقيقة فى أوروبا آنذاك "محاكم التفتيش".. لتفتش خلال المحاكمات فى الضمائر.. وتحتقر مبدأ حرية العقيدة.. وتستعبد إرادة الناس.. مخالفة بذلك النواميس الإلهية والفطرة الإنسانية..
بل وأعمتها القوة آنذاك لتستخف الناس.. وتبيع للعامة قبل الخاصة وهم "صكوك الغفران" التى تضمن الخلاص والأبدية فى مملكة الرب بعد الموت..
كذلك تمكنت فى تلك الفترة رسالة الظلام من القارة الأوروبية.. فانفصل العلم عن الدين.. وأوذيت القيم الإنسانية.. وتشوهت فطرة الملايين لتطمئن للإلحاد وإنكار وجود خالق للكون.. فى سابقة لم يعرفها العالم فى حضاراته عبر آلاف السنين.
وها هو تنظيم "داعش" الذى نقرأ كل يوم عن ضلالاته الإنسانية.. يخرج كنبت ظلامى مُخَلَّق.. زرعته أيادى الاحتلال الأجنبية وأصحاب المصالح الطائفية وأجهزة المخابرات فى تربة تطرف وغلو واستنطاع على صحيح الدين.. وروته فيضانات الأغراض والعنصرية وفشل الخطابين الدينى والدنيوى.. ليسىء المنتمون له بفكرهم وممارساتهم الفجة المعوجة للإسلام.. ولرسالته السامية فى مواجهة الإلحاد وهدم الأديان بشكل غير مسبوق فى التاريخ الحديث.
ولهذا فقد حان الوقت فى رأيى لأن يتخذ القائمون على الدعوة للإسلام والتعريف به منحىً ومنهاجاً مختلفاً عما سبق ممارسته فى المائة عام الأخيرة.. ولأن تتضافر الجهود بين المؤسسات الإيمانية الإسلامية والمسيحية بشكل مكثف وغير ومسبوق لمواجهة أعتى أعداء الإنسانية فى هذا القرن.. وهى العنصرية.. وضلامية التطرف.. وضلال الإلحاد..
الأمر لا يتعلق بمحاولة تشويه الإسلام فقط.. كما يصوره البعض.. بل يتعلق فى نظرة شاملة بهدم العقيدة المسيحية وعقيدة الإسلام، بعد إفراغهما من مضمونهما الإنسانى.. وبعد أن أتمت الصهيونية إفراغ اليهودية من محتواها الأخلاقى..
وهذا يعنى هدم أكبر تجمعين يؤمنا بوجود الخالق على وجه هذا الكوكب.. وبينهما من المشترك الإنسانى والأخلاقى ما يكفى لإعمار نفوس أتباعهما.. تمهيداً لإعمار الأرض ذاتها.. إذا حسنت النوايا.
ماذا ينتظر الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية الأم من تهديدات أعظم للأوطان ولإيمان الشعوب فى الشرق الأوسط؟
ألم يحن الوقت بعد لإحكام تنسيق منهجى غير مسبوق يخرج مصر من مهد الرسالات.. ثم يتوحد فى موقف تاريخى مع المؤسسات الإيمانية العالمية للضغط غير المسبوق على الهيئات الدولية والرأى العام العالمى.. بغرض الدفاع عن رسالة الخالق الذى نؤمن به جميعاً فى مواجهة رسائل الظلام والهدم للإنسانية؟
وإن لم تبدأ المؤسسات الإيمانية المصرية بعراقتها ووسطيتها.. فأى المؤسسات على مستوى العالم مؤهلة للبدء؟
وهل يمكن أن ننجز أى شىء دون أن نبدأ بالعمل الحقيقى على أرض الواقع واكتفينا بالتصريحات؟
.....
الأسئلة موجهة للإمام الأكبر الدكتور الطيب.. وللبابا تواضروس الثانى.