الحراك الحزبى والفردى الذي يشهده الشارع المصرى الآن تمهيدا للانتخابات البرلمانية المقبلة. يشير إلى عدة ظواهر مهمة.
أولاها: أن المعضلة الأساسية في الحياة الحزبية المصرية منذ ما بعد عصر الملكية مازالت قائمة. لا توجد حياة حزبية بالمعنى المتعارف عليه. نحن أمام أحزاب ورقية في معظمها. الدليل على ذلك أن لدينا الآن نحو ٩٠ حزبا. لا أحد يعرف أسماءها. اللهم إلا الأحزاب الأربعة القديمة وربما لا يوجد لأى منها أرضية حقيقية في الشارع باستثناء ما تبقى من حزب الوفد.
ثانيتها: أن أعضاء الحزب الوطنى (المنحل) مازالوا أصحاب الغلبة والتأثير في مجمل المحافظات المصرية. الدليل على ذلك أن كل التحالفات الحاصلة الآن بلا استثناء تسعى إلى استقطابهم.
ثالثتها: أن الحكم الأخير لمحكمة الأمور المستعجلة بأحقية قيادات الوطنى في الترشح قد صب في مصلحة هذه التحالفات. أصبحت أمامها فرص واسعة للاختيار من بين هؤلاء بعد أن كانت في أزمة حقيقية.
رابعا: بدا واضحا أن كل الأصوات التي كانت تطالب بعزل أعضاء الحزب الوطنى كانت تفعل ذلك إدراكا لقوتهم وليس لأسباب أخرى. ها هم يلجأون إليهم. المعلومات المؤكدة هي أن أعضاء الوطنى هم بالفعل الأقرب إلى الجماهير.
خامسا: ما هو واضح أيضاً أن كل أحزاب وائتلافات وتحالفات ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ مازالت خارج اهتمامات المواطن. لا تجد اعترافا شعبيا حقيقيا. الاعتقاد السائد الآن في معظم الأوساط الشعبية هو أن هؤلاء ممولون من الخارج. تآمروا. تسببوا في خراب البلاد. وتشريد العباد. إلى آخره.
سادسا: أن كل مساعى هذه التحالفات الحاصلة هو الاستحواذ على منصب رئيس الحكومة مستقبلا. البرلمان المقبل بحكم الدستور هو الذي سيختار. هناك أقاويل بأن لغة المال تلعب دورها المشبوه دائماً في مثل هذه الصفقات.
على أي حال. ما يجرى الآن في الشارع السياسى ليس مستغربا أو مثيرا للدهشة. أكد هذا الحراك أن الحزب الوطنى لم يكن عقيدة تم دحضها. أو فشلها مثلا. كان تمثيلا طبيعيا للعائلات والقبائل المصرية من أقصى البلاد إلى أقصاها. وهو ما غاب عن أذهان الكثيرين.
في الوقت نفسه. فإن من أرادوا أن يكونوا بديلا للحزب الوطنى لم يتآلفوا مع الشارع كما يجب أن يكون. اعتبروا أن نضال ميدان التحرير يكفى. أن الفضائيات كحلقة اتصال تكفى. ناهيك عما شاب سمعة هؤلاء وأولئك من مفاسد عديدة. وثروات دون مبرر.
الأهم من هذا وذاك هو أنه لم يحدث على مدى الأعوام الثلاثة الماضية أي تقدم. على مستوى الديمقراطية. أي إنجاز على المستوى الاقتصادى. أي تطور على المستوى الأمنى. العكس هو الذي حدث. فكانت عودة الحزب الوطنى حتمية. ولكن متوقعا تأخر الانتخابات. فهل يظهر حصان أسود black horse يلم الشمل ويظاهر خطط رئيس الدولة بالسرعة والكفاءة التي يتمناها الرجل- وهنا سيفوز بدعم لا يتوافر لأحد من اللاعبين أو المتنافسين.