قررت أن أتناول فى خواطرى ما كتبه أحمد النجار عن الرئيس الأسبق مبارك. لدىَّ وجهة نظر فيما سمح لنفسه به. فتحت بريدى. وجدت رسالة مطولة حول الموضوع من المهندس صلاح حافظ. قررت نشر رسالته وتأجيل وجهة نظرى إلى الغد. يقول صلاح حافظ فى رسالته: «احترت كثيرا فى مقال الأستاذ أحمد السيد النجار فى جريدة الأهرام بعنوان: الرئيس القادم فى مواجهة خطايا عصر مبارك، فلا أعرف لماذا يلجأ كاتب مثله للكذب حتى يثبت وجهة نظره».
يقول فى بقية رسالته: «بالرغم من أن الأستاذ النجار ذكر كلمة فساد 22 مرة فى مقاله فإن مقال سيادته به من الأكاذيب والمغالطات ما يستدعى محاسبته عليه، لأنه مفسدة وملهاة للعقول، وبالذات فى وقت تترنح فيه الدولة تحت شبح الانهيار الاقتصادى والأمنى والاحتجاجات الفئوية والمظاهرات الطلابية. يعتمد الكاتب على عدم تخصص القارئ لإلهاب مشاعره وزيادة نقمته، وحينما يفعل هذا بمعلومات غير سليمة فهذا لا يصح.
فمثلا ذكر الكاتب أن سعر الغاز من 11 إلى 17 دولارا للمليون وحدة حرارية، فى حين السعر هو حوالى 4.5 دولار فقط، وإن كان المتوسط يقل عن هذا. ولم يقل للقارئ هل كان السعر الذى ذكره يشمل النقل أم لا، لأن سعر النقل أحيانا يصل إلى أكثر من ضعف سعر الغاز نفسه، ولكن من سيراجع الأرقام؟ كما لم يذكر أيضا إذا كان الغاز مسالا أم فى حالة غازية، كما أنه لم يذكر نوع الغاز الذى يقارن به.
الأستاذ النجار يحاول العودة بنا إلى أحد أهم أسباب انتشار الفساد فى مصر، وهو كبر حجم القطاع العام، مما تستحيل معه إدارته. إن النظام الذى وضعه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من مسؤولية الدولة عن تعيين جميع الخريجين أدى إلى تخمة القطاع العام بالعمالة الزائدة، وفى كثير من الأحيان فى غير تخصصها، فحكم عليها بالفشل وعدم القدرة على المنافسة، بعد نشأتها بقليل، وفتح أكبر باب للفساد، لأن ما يقوم به شخص واحد أصبح يقوم به خمسة فأكثر، فعوّقوا العمل حتى يحصلوا على مكاسب شخصية، (وهذا ما قاله مهاتير بالحرف الواحد)، وهذا كان ميراث مبارك وليس من صنع يده.
إن نجاح بعض شركات الحكومة هو الاستثناء وليس القاعدة، وتدخل فيه عوامل الحماية والاحتكار، وتكون نتيجته الكارثية مؤجلة، ويصبح غير قادر على التصدير، لأنه مشروع غير اقتصادى، فيضعف عملة الدولة، ويعانى الجميع، وليذكرنا الأستاذ النجار بحجم صادرات مصر الصناعية المتنوعة فى عهد ناصر. كفانا جهلا وهراء عن القطاع العام، فلو لم تتم خصخصة الشركات لأفلست مصر منذ سنوات عديدة، وقد كادت تفلس فى التسعينيات من القرن الماضى، قبل أن تنقلب النسبة من 80% عاملين فى القطاع العام إلى 20% عاملين فى القطاع العام عام 2010.
إن نسبة موظفى الدولة المقبولة عالميا هى 1% من تعداد السكان، وفى مصر وهى من أعلى دول العالم فى عدد العاملين بالدولة فهى 8%، وهذا غير مقبول، ولقد تم رجم يوسف بطرس غالى حينما نزل بالرقم إلى 5%، وهذا ما فعلته تركيا وماليزيا وإنجلترا والبرازيل، وإن كانت هناك شبهة فساد فى بيع شركة أو أكثر فهذا مجاله القضاء وليس كلام المصاطب، (فكلام المصاطب هذا هو ما أخاف متخذى القرار، فذهبت شركات التنقيب إلى إسرائيل بشروط أفضل، وضاعت على مصر مئات المليارات من الدولارات الحقيقية). لماذا لا يذكر الأستاذ النجار كم من المليارات كانت ستخسرها الدولة لو لم تخصخص الشركات التى تمت خصخصتها؟!
وأنهى رسالتى بمقولتين واحدة لمارجريت تاتشر وهى: حينما تملك الدولة لا يملك أحد، وحينما لا يملك أحد لا أحد يهتم. ومقولة أخرى لحكيم بيزنطى: يتجادلون فى الفلسفة والعدو على الأبواب. وأخيرا وليس آخرا، إن الفساد الأكبر هو تعيين شخص فى مكان لا يستحقه، والمعنى فى بطن الشاعر. وكفانا شيطنة للرئيس السابق مبارك حتى نجد عذرا وشماعة لفشل مستقبلى، فهو عذر أقبح من ذنب، ومبارك برىء منه، ولنصل بمصر إلى ما كانت عليه فى عصره أولاً من معدلات نمو وخلق فرص عمل وبناء مصانع ونسبة ديون للناتج القومى ونسبة فقر ونسبة جرائم قتل، ثم ننتقده بعدها كما نشاء».