ا - مصر ليست غنيمة يتقاسمها أصحاب السطوة والنفوذ، ومجلس النواب القادم ليس مكافأة لمن يتصورون أنهم صنعوا الثروة، ومن حقهم أن يحصلوا على الثمن ويوزعوا مقاعدة على أحزابهم ومؤيديهم، وأشعر بأسى عندما أتابع أخبار لجان التنسيق بين الأحزاب السياسية والتحالفات الانتخابية وتوحيد الصف المدنى، وغيرها من المصطلحات الموروثة من العهود الشمولية البائدة، والتى تدور حول معنى واحد هو الاتفاق على حصص كراسى البرلمان، ويتعاركون ويتشاجرون وينفصلون ويتصارعون، لأن كل طرف لا يقتنع بحصته ويريد المزيد، وكأنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على الناخبين ويعرفون مصالحهم أكثر منهم ويختارون لهم من يريدون، علما بأن كل من يتحركون على مسرح تقسيم المغانم، لم يسبق لهم خوض أى انتخابات، ولا يعرفون دهاليزها ومؤامراتها وألاعيبها الخفية، علاوة على أنه ليس لهم ظهير جماهيرى محسوس، مع كل الاحترام والتقدير لعمرو موسى والسيد البدوى ومحمد العرابى وأحمد البرعى وغيرهم من نجوم التنسيق، ما هى خبراتهم العملية فى إدارة الانتخابات، وهل سبق لهم أن احتكوا بالجماهير فى المراكز والقرى والنجوع، وهل لهم دراية كافية بالتربيطات والتحالفات، وإذا كان الهدف من الانتخابات هو المنافسة على حصد أصوات الناخبين، والمنافسة تعنى هزيمة الخصم والفوز عليه، فما معنى التنسيق، وهل مثلا يمكن أن تتفق أندية الدورى على نتائج المباريات سلفا، وتوزع المراكز بالمحبة والمودة والأحضان والقبلات وقراءة الفاتحة والحلف على المصحف؟ كل يبكى على ليلاه، وليلى مصر لا تجد من يبكى عليها، وكل يلهث وراء مصالحه الشخصية ويقسم أنه يفعل ذلك لمصلحة مصر، ومصر لها مصلحة فى أمر واحد فقط هو إعلاء قيم الديمقراطية والحفاظ على حيوية وحماس الناخبين، بعد أن آمنوا بأنهم هم الدين يقررون مصير وطنهم، وأن من كان يصوت نيابة عنهم ذهب إلى غير رجعة، فلا تسلموهم لليأس مرة ثانية، باجتماعات عنوانها التنسيق وحقيقتها الاستلاب، فصارت الأحزاب والقوى السياسية تبحث عن شىء واحد، هو تفصيل قانون على مقاسها، يتيح لها الفوز وحرمان وإقصاء الآخرين، حتى لو كان هذا القانون مشوها وسيئ السمعة ووليد الأنظمة الدكتاتورية، ولم نسمع رغم اقتراب موعد الانتخابات عن حزب أعد برنامجا طموحا لخدمة الجماهير، أو دماء جديدة تم الدفع بها على المسرح السياسى، وكل ما يحدث وجبات بايتة سيئة الرائحة والمذاق. كل الأحزاب والقوى السياسية تبحث عن عفريت تخيف به الآخرين، وأشهر عفريتين هما الإخوان والفلول، وهم لا يدركون أن أنانيتهم وخيبتهم ستضعهم فى خانة الرفض الجماهيرى جنبا إلى جنب مع الإخوان والفلول، ولو نظروا وراءهم قليلا لشاهدوا طابورا طويلا من نجوم الشو السياسى، الذين ملأوا الحياة السياسية صخبا وضجيجا، ثم أكلهم الوبا والعزلة والنسيان، بعد أن اكتشف الناس حقيقتهم، وأنهم فعلا يحبون مصر مادامت مصر تجلس على حجورهم. أقولها بصراحة إن البلاد غير مهيأة فى اللحظة الآنية لاختيار مجلس نواب فى مستوى التحديات والمصاعب التى تواجهها، والعجلة لا تعنى إلا المجىء بنواب الواسطة والكوسة والتربيط والتنسيق و«سيب وأنا أسيب»، برلمان يمثل نخبة اقتسام المنافع ولا يمت بصلة للشقيانين والعرقانين، والأجدى أن تمنح مهلة زمنية ستة شهور وبحد أقصى سنة، تهيئ فيها الأحزاب برامجها ومرشحيها، وتنتهى فيها الدولة من إشكالية الأحزاب الدينية التى مازالت الخطر الأكبر على مصر والديمقراطية ووسطاء توفيق رءوس الأحزاب فى الحلال.