طريفة هى بالفعل مقولات «المحللين» و«الاستراتيجيين» بخصوص الأمريكان. فأنت تسمع منهم كلاما لا تعرف معه فى أى عصر يعيشون ولا ماذا يقرأون بالضبط.
تجد محدثك يحكى لك مثلا عن «إفشال مصر لمخطط الشرق الأوسط الكبير» الذى كانت أمريكا تسعى إلى تنفيذه، «والفوضى الخلاقة» التى كانت تسعى لنشرها، بينما لم ينمُ إلى علم المتحدث، على ما يبدو، أن الإدارة التى تبنت مشروع الشرق الأوسط الكبير قد تركت حكم أمريكا منذ أكثر من أربعة أعوام كاملة، وذهب معها أصحاب فكرة الفوضى الخلاقة بالمناسبة! فمشروع الشرق الأوسط الكبير كان أحد الأفكار التى تبناها المحافظون الجدد الذين احتلوا مناصب حساسة ونفوذا هائلا فى عهد إدارة بوش الابن. وكانوا أيضا أصحاب فكرة الفوضى الخلاقة ومفهوم «الصدمة والرعب»، وغيرها من الأفكار الفجة التى تعاملنا معها طوال ثمانية أعوام انتهت بتولى باراك أوباما السلطة فى يناير 2009، فانتهى عمليا العمل بأفكار مذهب بوش. ولمن لا يتذكر، فإن العلاقات المصرية الأمريكية، التى كانت قد ساءت كثيرا فى نهاية عهد بوش الابن، شهدت تحسنا ملحوظا حين تولى أوباما لأن موقفه من مصر وقتها كان براجماتيا قائما على التعامل مع أى من كان فى السلطة فى مصر، وهو موقف لم يتغير بالمناسبة منذ عهد مبارك وحتى الآن.
ومن الطريف أيضا أن تجد بعض «المحللين» يؤكدون على حكاية عداء الولايات المتحدة للنظام الحالى فى مصر، ودعمها للإخوان. أفهم أن يقول أحدهم أن هناك صراعا داخل الإدارة أو أن الإعلام الأمريكى يختلف حول مصر لكن أن تقول إن أمريكا عن بكرة أبيها معادية فهى أسطورة صنعها البعض وصدقها. فلا أعرف ماذا يقرأ «المحللون» بالضبط. فلو أنهم قرأوا فقط التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين، ناهيك عن الدراسات والتقارير، لخرجوا بنتائج مختلفة. فوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى قال فى أغسطس الماضى إن «القوات المسلحة المصرية تسعى لاستعادة الديمقراطية فى مصر، وهى تدخلت بناء على دعوة الملايين فى مصر». وله تصريح شهير فى نوفمبر الماضى قال فيه إن «الإخوان سرقوا الثورة المصرية». وتلك لغة لايستخدمها من يدعم الإخوان. وكيرى، حين أتى إلى مصر فى نوفمبر عشية محاكمة محمد مرسى رفض، فى صراعه مع مستشارة الأمن القومى سوزان رايس، أن يذكر المحاكمة، على الأقل علنا، فى لقاءاته مع المسؤولين المصريين كما طالبته رايس.
أما المعونات، فقصتها كانت قد تناولتها كاتبة السطور فى هذا المكان أكثر من مرة. وهى باختصار أن الولايات المتحدة قامت بتطويع القانون الأمريكى على نحو يسمح لها باستئناف تقديم المعونات الاقتصادية والعسكرية لمصر، على أن يشهد وزير الخارجية بأن مصر تسير فى طريق الديمقراطية، ويشهد الرئيس بأنها تفى بالتزاماتها تجاه السلام مع إسرائيل. لكن المشكلة برزت مؤخرا بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان تحولت على يد قوى داخلية ومنظمات حقوقية أمريكية إلى ضغوط تدعو كيرى للامتناع عن الشهادة أمام الكونجرس. وهو ما جعل وزير الخارجية الذى هو من أكثر الداعمين للموقف الرسمى المصرى فى إدارة أوباما، مثله مثل وزير الدفاع، يقول صراحة عن الحكومة المصرية «عليهم أن يساعدونا حتى نستطيع أن نساعدهم».