سؤال يطرحه كثيرون: هل هناك من مَخرج سياسى للأزمة الحالية؟ وهل يمكن إجراء مصالحة مع الإخوان؟ الإجابة الغالبة ترفض المصالحة، ولا ترى أن هناك مخرجاً سياسياً للأزمة الحالية، لأنها تتطلب حشد كل الجهود من أجل مواجهة «الجماعة الإرهابية» بالقوة والأمن.
إن رفض قطاع واسع من الشعب المصرى لجماعة الإخوان وهى فى الحكم والمعارضة لم يعنِ أن أوضاعهم الاجتماعية تحسنت (رغم أنها سياسياً تحسنت دون شك)، لأن التخلص من حكم الإخوان عنى جزئياً العودة إلى بعض الأوضاع القديمة قبل 25 يناير، حتى لو كان هامش الديمقراطية والمشاركة السياسية أوسع بكثير.
إن الحل السياسى لا يعنى مصالحة من قتلوا المصريين، وتآمروا على الدولة والشعب من قادة الجماعة، إنما يعنى الثقة فى أن دولة القانون قادرة على أن تعيد أنصار الجماعة (وليس بالضرورة قادتها) وجانباً من قواعدها للطريق السليم.
البعض يتصور أن الحل مع العضوية العاملة فى جماعة الإخوان المسلمين هو إبادتهم (تقدَّر بما يقرب من مائة ألف عضو)، وهو أمر صادم، فالحقيقة أن الحل هو فى تفكيك البنية التى قامت عليها الجماعة السرية بالأمن والسياسة، وليس التنكيل بالأعضاء، وهذا سيتطلب عدم السماح لأى جماعة دينية بأن تعمل بالسياسة، وأن تكون لها ذراع سياسية أو أن تكون فوق الدولة وترفض أن تقنن وضعها القانونى مثلما جرى مع الدولة المصرية حين خضعت لابتزاز الإخوان.
المَخرج السياسى يعنى فتح باب «التوبة السياسية»، مثلما فعل عبدالناصر مع كثير من قيادات الصف الثانى فى الجماعة، واختاروا أن يلتحقوا بمشروعه (مشروع الدولة والأمة) ويتركوا مشروع الجماعة والعشيرة، وأصبح بعضهم وزراء (الشيخ الباقورى كان وزيراً للأوقاف) فى حكومته.
المَخرج السياسى لا يعنى تراخياً أو أيادى مرتعشة، أو طابوراً خامساً كما يروج البعض، لأنه لا يعنى صفقة فى الظلام، إنما يعنى ثقة فى النفس بأن دولة القانون والمؤسسات وأيدى الأمن- إذا اقتضى الأمر- قادرة على تفكيك الجماعة وحصارها سياسياً، ووضع جانب من قواعدها على الطريق الصحيح.
الدمج الآمن الذى سبق أن تحدثنا عنه يعنى أننا فى دولة قانون ومؤسسات قوية وصارمة تفرض شروطها على الجميع، وتهتم بعمق المجتمع أكثر من قمته، وأن مشكلة مصر ليست أساساً فى قادة الجماعة الملاحَقين قضائياً ممن مارسوا العنف والإرهاب أو حرّضوا عليه، إنما فى أنصارها من الشعب المصرى من جيراننا فى البيت والحارة من المتعاطفين مع خطاب الشرعية.
صحيح أن هؤلاء أقلية ولكنهم يعدون ببضعة ملايين، ومستحيل أن نواجههم بالأمن إنما بالحل السياسى الذى يُدخلهم فى حظيرة المعارضة السلمية والشرعية القانونية.
إن المخرج السياسى يعنى تحقيق المعادلة الصعبة، وهى الحفاظ على الدولة وإصلاحها فى نفس الوقت، لأن المواجهة الأمنية فى حالات الطوارئ والإرهاب لا تساعد على إصلاح أى شىء.
إن الدولة التى تخوض حرباً حقيقية ضد الإرهاب وتواجه ممارسات الجماعة العنيفة فى الشوارع والميادين لم يحدث فيها أى تغيير، فنفس الهيئات البيروقراطية التى لم تتغير منذ مبارك هى التى تدافع عن المسار الجديد فى الداخل والخارج، ونفس الإعلام الرسمى بمشاكله التى لم تُحلّ هو الذى يخوض الحرب الإعلامية دفاعاً عن النظام الجديد، ونفس الأجهزة الأمنية بطريقتها القديمة هى التى تواجه الانفلات الأمنى والإرهاب والتظاهر غير السلمى.
مصر لم يصلح فيها شىء، بل ربما عادت أوضاعها إلى الوراء، ضعفت فيها الدولة ولم يقو المجتمع ولا الأحزاب، وتلك أخطر مشكلة نواجهها الآن، فلا تحمّلوا الأمن مرة أخرى أخطاء السياسة وغيابها.