ليس حلا بقلم عمرو الشوبكى

مدهش أن يطالب البعض المشير السيسى بمنع رموز الحزب الوطنى من العودة للساحة السياسية، وهو جالس فى بيته «يناضل» على مواقع التواصل الاجتماعى بعيدا عن الناس، ويتحدث عن ضرورة مقاومة حكم الفرد، ويطلب من نفس هذا الفرد أن يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فيستبعد من لا يريد، ويدعم من يريد بإجراءات استثنائية لا علاقة لها بالقانون.

نعم مصر ليست فقط فى حاجة لتطبيق القانون على كل الفاسدين والمفسدين، إنما أيضا وضع قانون للعدالة الانتقالية يعيد لكل ضحية حقها القانونى والمادى والمعنوى، بسبب أى جرائم ارتكبت فى عهد النظام السابق أو الأسبق، وسواء من أفراد أو من أجهزة الدولة.

إن هذا المسار القانونى الذى يجب أن يطالب به الجميع أمر يختلف جذريا عن مطالبة البعض بأن يفصّل نظام سياسى على مقاس تيار أو فصيل أو فئة بعينها، فيتحدث عن «الفلول» إذا كان المتحدث يصف نفسه بأنه ثائر، ويشوه رموز التيارات المدنية إذا كان المرشح الأوفر حظا عسكريا، أو يعزل المصريين ذوى الخلفية العسكرية من الترشح فى أى استحقاق حين كان صوت الثوار الأكثر صخباً بعد 25 يناير.

المطلوب ليس استبعاد الناس تبعاً للأهواء السياسية، إنما المطلوب ضمان مسار تحول ديمقراطى حقيقى، وألا يحتكر أحد أى منصب سواء كان عسكريا أو ثوريا أو إصلاحيا، إنما يترك الأمر لمنافسة سياسية مفتوحة ينظمها الدستور والقانون.

إن الإطار الأهم والأبرز الذى يجب أن تتمسك به قوى التغيير فى مصر يتمثل فى ضمان وجود إطار قانونى يحترم الدستور، وينفذ ما جاء فيه من مبادئ، ويضمن نزاهة العملية الانتخابية، وليس مطالبة السيسى بأن يحارب رموز النظام القديم نيابة عن «القوى الثورية»، ثم تطالبه فى نفس الوقت بألا يكون حاكماً ديكتاتوراً، وألا يعيد إنتاج حكم الفرد.

المطلوب ليس إقصاء أحد من رموز النظام القديم أو الجديد، فالشعب المصرى هو وحده القادر على أن يقصى من يريد من خلال الانتخابات، فهو ليس قاصراً، ويعرف جيدا الفارق بين المرشح الصالح والطالح، لأن المطلوب الذى لا يتكلم فيه أحد تقريبا هو أن يضمن النظام الجديد وليس فقط الرئيس الجديد نزاهة العملية الانتخابية، خاصة أن كثيراً من رموز النظام السابق العائدة اعتبرت البلطجة والتزوير طريقها للنجاح فى أى استحقاق انتخابى.

المطلوب هو أن ندافع عن دولة القانون والانتخابات النزيهة لا أن يحاول البعض تفصيل الملعب السياسى على مقاسه، فيخرج ثوريته لكى يستبعد القوى التقليدية فى المجتمع، وتخلو له الساحة السياسية، لا أن يحقق كما يدعى أهداف الثورة، ويلتهم بمفرده الجزء الأكبر مما يتصور أنه كعكة السلطة.

هناك فرق كبير بين مطالبة النظام الجديد بتفصيل ملعب على مقاس شخص أو حزب أو تيار، وبين بناء آخر على مقاس الجميع محاطاً بسياج الدستور والقانون، ومبادئ الدولة الوطنية، لأن نفس التخوف المشروع، الذى يبديه البعض من انحياز الدولة للمشير السيسى، يتناسى أنه يكرره حين يطالبه بالانحياز لحزبه وتوجهه السياسى بعزل فلان، لأنه فلول، وعلان لأنه «أجندات»، وتناسى أن التحدى الحقيقى فى بناء نظام جديد وليس فى تغيير وجوه قديمة بأخرى جديدة توضع على رأس نفس النظام القديم.

ليس حلاً أن يشترط البعض على المشير السيسى أن يعزل هذا الشخص أو التيار، إنما يجب أن يطالبه بضرورة احترام الدستور والقانون، ودولة المؤسسات، وهذا ما سينقل مصر ولو خطوة للأمام.