قد يعتبرها البعض مثل علاقة القط والفأر، تلك العلاقة بين الدولة المصرية والجماعة الإخوانية، فهى علاقة صراع بالأساس حتى فى اللحظات التى كانت فيها الجماعة خاضعة ومنكسرة أمام سطوة الدولة، فلم يكن خضوعها عن قناعة أو إيمان بدور الدولة، إنما كان استضعافاً يمهد لمرحلة التمكين.
والحقيقة أن صراع الدولة والجماعة، الذى تفجر عام 1948، بعد قيام عناصر التنظيم الخاص بالجماعة باغتيال رئيس الوزراء فى ذلك الوقت محمود فهمى باشا النقراشى، وتبعته حملة اغتيالات واسعة شملت القاضى أحمد الخازندار، واعتداءات إرهابية على منشآت عامة وخاصة، دفعت بالدولة إلى حظر الجماعة. وجاءت ثورة يوليو وظهرت الدولة الناصرية التى تعايشت مع الجماعة عامين، وسرعان ما اصطدمت بها عقب محاولة بعض عناصر الجماعة اغتيال عبدالناصر فى 1954، ثم تكرر الصدام مرة أخرى عقب كشف تنظيم سيد قطب فى 1964، الذى ضبط ومعه خرائط وخطط لتفجير سدود ومحطات كهرباء ومياه وترتيب عمليات اغتيال واسعة. وجاءت دولة السادات، التى تصالحت فى البداية مع الجماعة، ولكن سرعان ما دخلت فى مواجهة معها، وشملت حملة اعتقالات سبتمبر 1981 كل الأطياف السياسية بما فيها جماعة الإخوان التى هاجمت السادات وحرضت عليه بشدة، رغم أنه هو الذى أفرج عن كل قادتها من السجون بعد وصوله للسلطة.
وجاءت دولة مبارك التى لم تعرف إلا المواجهة الأمنية، وغاب عنها أى تعامل سياسى مع الإخوان أو مع باقى القوى السياسية، ولم يفهم مبارك معنى الإدارة السياسية لبلد، إلا أن نظام مبارك الذى قال إنه حارب «الإخوان» ووصفها بالجماعة المحظورة، وواجهها بالأمن لا السياسة واعتبرها الخطر الأعظم الذى يهدد مصر، ولم يترك فرصة إلا وتحدث عن نوايا الإخوان الشريرة فى القفز على السلطة، وفى نفس الوقت ترك الحكم ومصر ليس بها أى قوى سياسية منظمة إلا الإخوان رغم المواجهة الأمنية والحظر القانونى. إن علاقة الجماعة بالدولة المصرية فى كل عهودها لم تكن علاقة ولاء وإيمان بدورها، إنما كانت علاقة استكانة وخنوع فى مراحل الاستضعاف التى تكون فيها الجماعة فى وضع ضعيف، وتتحول إلى علاقة استعلاء وانتقام وهيمنة فى مراحل التمكين.
وهذا ما فعله الإخوان قبل وصولهم للسلطة وبعدها، فقبل أن يصلوا للحكم تحدثوا عن التدرج فى الإصلاح ورفض الثورة ودعوة المجتمع للالتزام بتعاليم الدين، واعتبروا قيادات الحزب الوطنى رموزاً وطنية، وبعد أن وصولوا للسلطة تحولوا إلى «ثوار أحرار»، وأعطوا لأنفسهم حصانة ثورية ودينية على السواء تخون كل من يعارضهم، وبعد أن خرجوا من السلطة وبدلاً من أن يعترفوا بأخطائهم فى الحكم (حتى لو رفضوا الطريقة التى خرجوا بها من السلطة)، شنوا حرباً على الدولة التى كرهوها والشعب الذى لم يروه.
مدهش وربما صادم أن تخسر جماعة كل معاركها السياسية والدينية مع الدولة المصرية على مدار 85 عاما دون أن تتعلم شيئا، والغريب أنها خسرت معاركها وهى فى المعارضة فى مواجهة الدولة الملكية ودولة عبدالناصر والسادات ومبارك، وحين لاحت لها فرصة استثنائية ووصلت للسلطة بعد ثورة لحقت بها ولم تصنعها، ارتكبت من الخطايا ما لا يعد ولا يحصى وخسرت معركتها أيضا.
إن الخلل فى صيغة الجماعة نفسها وفى بنيتها العقائدية والتنظيمية التى أنتجت ما يشبه الدولة الموازية: علم إخوانى فى مواجهة علم الدولة، وكيان إخوانى خدمى فى مواجهة خدمات الدولة (شبه الغائبة فى كثير من الأحيان)، وعزلة شعورية تضع عضو الإخوان فى بوتقة منفصلة عن المجتمع ومؤسسات الدولة فى مواجهة وطنية مصرية تلقائية لم ولن يتخلى عنها الشعب المصرى.