فشل زيارة محلب إلى أسوان لتهدئة «النفوس»، يعلن وفاة الدولة المصرية فى الصعيد الجوانى، ويؤكد عودة القبيلة إلى الظهور بقوة مرة أخرى وهى كارثة بكل المقاييس!
لقد كنا نظن أننا فى مصر استطعنا الخروج من كهف الفكرة القبلية وتقاليدها وأعرافها، ودخلنا بقوة إلى العصر الحديث الذى تصبح فيه الدولة وقوانينها هى المرجع الأول والأخير عند أى خلاف أو صدام أو صراع بين الفئات والشرائح المختلفة، لكن لأن بعض الظن إثم، فقد ارتكبنا آثامًا كثيرة، وها هى الاشتباكات تتجدد فى أسوان بين قبيلتى «الهلايل» و«الدابودية»، لدرجة جعلت صحيفة الوفد تختار عنوانا مفزعا يتصدر صفحتها الأولى أمس، وهو: (القتل على «الهوية» فى أسوان)!
خذ عندك بعض الأخبار المرعبة التى نشرتها الوفد عما حدث: «فى صباح أمس قام مجهولون من أبناء قبيلة بنى هلال بإشعال النار فى أحد المقاهى التى يمتلكها أحد النوبيين بمنطقة خور عواضة بجوار كوبرى القش، وقتل صاحب المقهى النوبى»، وخبر آخر يتحدث عن «قيام مجهولين بإطلاق النار على شابين من أبناء النوبة بمنطقة إشارة مرور الزلابية ليرتفع عدد القتلى إلى ثلاثة»، كما تؤكد الأنباء مصرع أمين شرطة أمام المستشفى العسكرى.
لا يوجد تفسير مقنع لهذه الجرائم البغيضة سوى أن الدولة المصرية غابت تمامًا عن هذه البقعة سنوات طويلة، فالدولة الحديثة – فى أبسط تعبير - هى مجموع المؤسسات التى تدير شؤون المجتمع بقوانين واحدة تطبق على الجميع ويرتضيها الناس، مادامت تحكم بينهم بالعدل، فإذا حادت الدولة عن العدل، سقطت هيبتها فى صدور المواطنين، واستخفوا بقوانينها واستعادوا قوانين القبيلة وعاداتها، وهى قوانين تعود إلى قرون مضت، قبل أن يدخل الإنسان عصور الصناعة والحداثة والتكنولوجيا بكل تعقيداتها، الأمر الذى يعنى أن قوانين القبيلة - وهى قوانين تناسب مجتمعًا بدائيًا بسيطا - لا يمكنها أن تصلح لهذا الزمن المتشابك والمعقد.
إذن.. ما حدث فى أسوان يؤكد أن الدولة ماتت هناك منذ زمن، وأن الناس أيقظوا القوانين القبلية الميتة من القبور، فلا سامح الله حكامنا الذين قتلوا الدولة وأحيوا القبيلة!