لم تكن مشكلتنا مع مبارك فى شخصه فقط، بل كانت مع نظام يحتقر المصريين ويقمعهم ويقودهم من تخلف إلى تخلف عبر تمكين الفاشلين والمنافقين، وإقصاء الأكفاء، وظلم الأبرياء، وقتل الحلم فى قلوب الناس، لذلك نزلنا الميادين مع الملايين نهتف بسقوط النظام ورحيل مبارك، فهل تنحَّى مبارك؟
الحقيقة أن روح نظام مبارك مازالت ترافق خطواتنا، وترسم مستقبلنا، والحقيقة الأشد مرارة أن هذه الروح البائسة موجودة بداخل كل واحد فينا على المستوى الشخصى قبل أن تكون توجهاً للدولة وحكامها.
مازال بيننا تجار دين يصفون رموز الحكم بأنهم رسل وأنبياء، ويُفصِّلون الفتاوى طبقاً لهواهم السياسى تنكيلاً بخصومهم، مازال بيننا من يصنعون الإله، ويمارسون إغواء البشر ليقنعوهم بأنهم المخلصون والمنقذون، مازال بيننا من لا يملّون من التعرى القيمى وإلقاء مبادئهم ومواقفهم السابقة فى وجوهنا كراقصة تعرٍّ رخيصة من أجل إرضاء السلطة.
مازال بيننا من يكرهون الحرية وينظّرون لعشق الأغلال، مازال بيننا من ينكرون على الأحرار طلب الحرية فينعتونهم بالخيانة والعمالة وكل الموبقات حتى يتوبوا عن أفكارهم ويلتحقوا بركب غلمان السلطان، مازال بيننا من ينتظرون خطأ المحترمين ويتربصون بهم حتى يثبتوا لأنفسهم أنهم لا يستحقون الاحترام فتهدأ نفوسهم وأحقادهم، مازال بيننا من يولّى وجهه ناحية المصلحة أينما وُجدت فيدور معها أينما دارت، مازال بيننا مدعون للمعرفة وهم أجهل من دابة.
مازالت روح الفهلوة تحكم تصرفاتنا، فلا نريد بذل الجهد ونطمع فى الحصول على ما لا نستحقه، مازال بيننا من يعادون العقلانية والموضوعية بعد أن ألغوا عقولهم وسلموها لأفاكين يتلاعبون بهم ويصبون فى رؤوسهم قمامة فكرية ودناءة نفسية، ما زال لدينا إعلام- إلا ما ندر- يدمر وعى الجمهور وينزل بمستوى إدراكه وأولوياته، مازال بيننا من يتعامل مع مصر العظيمة صاحبة الحضارة ومهد التاريخ على أنها حارة صغيرة تُختزل فيها الوطنية والانتماء فى حب أشخاص والتصفيق لهم مع العداء الأهوج لكل صوت وطنى ذى رؤية مغايرة يبغى مصلحة الوطن، مازال لدينا نخبة منبطحة- إلا ما رحم ربى- تضبط بوصلتها فى اتجاه من يجلس على الكرسى أياً كان، فتطيل لحاها بالأمس، وتتقمص اليوم وطنية زائفة مبالغاً فيها، وتسن أقلامها فى تمجيد الجالس على الكرسى، وإن لم يطلب منها ذلك أو يستنكره، وأى جريمة فى تاريخ الإنسانية أحقر من تزييف وعى الناس؟
كنا نعتقد أن تغيير الرأس الحاكم فى مصر سيغير الوطن إلى الأفضل، لكن المأساة التى اكتشفناها أن الجسد عليل ويحتاج إلى إصلاح وبناء إنسانى وفكرى وسلوكى حتى يصبح التغيير واقعاً، لا أمل فى تقدم والنفوس هى النفوس، والعقول هى العقول، مهما تغيرت أنظمة الحكم فى مصر فالقاع مزدحم يحتاج إلى أيد مخلصة تنتشل من تستطيع إنقاذه وتوحده صفاً واحداً ليصبح طليعة إنسانية تحارب الانحطاط الحضارى والتشوه الإنسانى، وتدرك أن المعركة ليست سياسية فحسب، ومع إقرارنا بأنها منظومة متكاملة تؤثر على بعضها البعض إلا أن ما بذلناه من جهد فى جانب واحد- وهو السياسة- أتى على حساب النواحى الأخرى لصالح التشوه العميق الذى أفرزته عشرات السنين من التدمير للشخصية المصرية، ويبقى السؤال:
متى يتنحَّى مبارك؟