1- أخطر ما أصاب الحركة الإسلامية المصرية والعالمية هو تخليها طواعية عن موقع الدعوة والهداية إلى كونها حركة سياسية محضة، تدور حول السلطة وتدندن حولها، وتضحى من أجلها وتبذل الآلاف من شبابها من أجل كراسيها.. ظناً منها أن السلطة ستخدم الإسلام أكثر من غيرها.. رغم أن الواقع العلمى ينطق بالعكس.. وبذلك تحولت طواعية من مشروع دعوة إلى مشروع سلطة.. ومن مشروع هداية إلى مشروع سياسى.
2- قد تكون السلطة جزءا من المشروع الإسلامى، ولكنها فرع على الهداية.. والفرع إذا طغى على الأصل دمره وأزاله تماماً، وأصاب فقه الأولويات فى مقتل.
3- ومعلوم أن الحكم وسيلة من وسائل المشروع الإسلامى.. ولكن هداية الخلائق هى الغاية.. فإذا تعارضت الوسيلة مع الغاية قدمنا الغاية وأخرنا الوسيلة.. ولكن الذى يحدث دائماً أننا نقدم الوسيلة على الغاية فتضيع الاثنتان.. ومعهما كل شىء.
4- كل تاريخ الحركة الإسلامية المصرية ينبئ عن قاعدة خطيرة لا نوليها اهتماماً، وهى أن الحركة تكافح كثيراً من أجل حصولها على حرية الدعوة وهداية الخلائق، فإذا حصلت عليها أرادت أن تجمع إليها السلطة والدولة.. وحينها تضيع الاثنتان.
5- نظرة الإنسان عامة، والداعية خاصة، للشريعة الإسلامية وهو فى موقع الدعوة تختلف عن نظرته إليها وهو فى موقع السلطة.. فحينما يكون فى موقع الدعوة ينظر إليها على أنها باب هداية وإقناع ورفق ورحمة وشفقة ومودة.. أما حينما يعتلى كرسى السلطة فإنه ينظر إليها نظرة عقاب وردع وتخويف من يخالفه أو يخالفها.. ويدخل إليه تدريجياً أن مخالفته من مخالفة الشريعة.. وموافقته من موافقة الشريعة.. ثم يتدرج فى الأمر حتى يعتقد هو ومن حوله أنه الشريعة.. والشريعة تكمن فيه وفى أوامره وتعاليمه.. وهذا كله خطر على صاحب السلطة من جهة وعلى الشريعة من جهة أخرى.. حيث ينسى وهو فى السلطة أنه قيل للرسول صلى الله عليه وسلم الذى جمعت له رئاسة الدين والدنيا «ليس لك من الأمر شىء».. و«لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» «وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ».. ويمكنكم فى ذلك مقارنة حالة عبدالملك بن مروان وهو فقيه بحالته وهو حاكم.
6- التوسل إلى قلوب ونفوس الناس وكسبها بالسياسة أو الاقتصاد بدلاً من الدين والتقوى سيفسد السياسة والاقتصاد والدين والضمير أيضاً.
وقد فشلت عملياً فكرة السياسى الداعية، وكذلك فكرة رجل الأعمال الداعية.. فالنفوذ الحقيقى الذى يغزو القلوب والنفوس بصدق هو نفوذ التقوى والصلاح، وليس نفوذ المال أو المنصب أو السلطة.. لأن هذه وأمثالها تظهر طبقة المنافقين.. وكل شىء قد يقبل فيه النفاق إلا الدين.. فإن النفاق يضيعه ويدمره تماماً.
7- وهناك فرق عظيم بين الشيخ حسن البنا الذى توسل إلى قلوب الناس بالزهد والتقوى فكان يلبس «الدبلان».. وحسن مالك - مع احترامى لشخصه- الذى توسل للناس بملايينه وملياراته وسطوته الاقتصادية.
8- كما أن هناك فرقاً بين عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز اللذين توسلا إلى قلوب الناس بالزهد والعفاف والعدل وهضم الذات، وبين هارون الرشيد أو المأمون وغيرهما اللذين توسلا الناس بسيف السلطة أو ذهبها.. أو ذهب المعز وسيفه.. فمن لم يضمه بريق الذهب يردعه بريق السيف.