أكتب هذه السطور ليلة الأربعاء صباح الخميس وقد بات واضحا أن نسبة الذين قالوا نعم للدستور قد تفاجئ فى ارتفاعها حتى أكثر الحالمين بنعم، وقد تصيبهم بصدمة، فى حين قد تتحول سلاحا فى يد جماعة الإخوان بصورة لم يكن أحد يتخيلها حتى هم أنفسهم.
أنا واثق من أن الغالبية العظمى من الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع قالوا نعم مثلما فعلت انا واسرتى واهلى واصدقائى وغالبية من اعرف، كما ان كل المعارضة وكل الرافضين واليائسين من الوضع الحالى قرروا المقاطعة، نسبة نعم العالية هى نسبة موافقة الذين ذهبوا وليست نسبة كل المصريين.
كنت أتمنى ان يشارك الإخوان فى الاستفتاء وفى العملية السياسية لكنهم رفضوا، وكنت أتمنى ان تكون اجهزة الحكومة أكثر حكمة ولا تعتقل الذين حاولوا ممارسة حقوقهم الطبيعية وتعليق ملصقات تدعو بالتصويت بلا.
ربما لو حدث ذلك لكانت النتيجة أقرب إلى الطبيعية، تحت مستوى التسعين فى المائة.
لنقفز من النسبة إلى السؤال الأهم وهو كيف ستتصرف الحكومة مع هذه «النعم الضخمة» وكيف ستبنى عليها؟!.
هل ستعتبر النتيجة قرارا شعبيا بالاستمرار فى عزل الإخوان؟!.
الإجابة هى نعم بطبيعة الحال وسوف يترتب على هذا الأمر نتيجة فورية وهى توقف كل حديث عن المصالحة أو التسوية أو التهدئة مع الإخوان حتى اشعار اخر.
السؤال الثانى: هل ستدفع هذه النتيجة الأجهزة الأمنية إلى استمرار المواجهة مع الجماعة وأنصارها؟!
الإجابة هى نعم أيضا، وسيقولون لأى منتقد ان لدينا تفويضا شعبيا دستوريا، وانه إذا كانت المواجهة بالقانون فى الماضى أو حتى بمنطق الأمر الواقع، فإن الموافقة على الدستور بهذه النسبة تعنى المواجهة الشاملة مع كل الخارجين عليه.
السؤال الثالث: هل هذه النسبة العالية لنعم تعنى أن هناك تفويضا مفتوحا من الجماهير والشعب للنظام الحالى أو الأجهزة الأمنية بأن تفعل ما تريد؟!.
الإجابة هى كبيرة وهنا بالتحديد مربط الفرس.
الشعب خرج بالملايين وذهب إلى الصناديق ليقول انه زهق وطهق من الاخوان والعنف والمصادمات والاشتباكات والغاز المسيل للدموع والجثث اليومية وانه يريد أن يعيش حياة طبيعية مستقرة.
أتمنى ان يفهم أهل الحكم تفويض الشعب الأخير بالصورة الصحيحة وهى أنه يريد ان يعيش فى أمن واستقرار وكرامة.
اسوأ خيار ان يصاب النظام الجديد بغرور القوة ويتخيل ان نعم الكبيرة هى تصريح شامل بالقتل لكل الخصوم، أى بعد ان ينتهوا من قتل الإخوان عليهم ان يستديروا لقتل السلفيين وبعدهم النشطاء الليبراليين وهكذا.
إذا حدث ذلك فإننا نكون مندفعين لا قدر الله إلى نسخة عصرية من دولة المماليك فى اسوأ ايامها.
كل الأمل ان يفهم من بيدهم الأمر الآن حقيقة التفويض الشعبى الدستورى الأخير. التحدى الحقيقى هو ان يكون هؤلاء قادرين على بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم أساسا على فكرة العدالة الاجتماعية.
علينا محاربة ومحاصرة الإرهاب والإرهابيين والمتطرفين بكل الوسائل المتاحة، وعلينا مواجهة الخارجين على القانون بالقانون.
الإخوان باختصار يحاولون جر النظام الجديد وكل البلد إلى مواجهة مستمرة شعارها الاستنزاف حتى يقع البلد. أرجوكم لا تعطوهم هذه الفرصة وتفرغوا للبناء والعمل وقدموا نموذجا محترما ولائقا وإنسانيا لبلد خرج الملايين منه إلى الشارع وإلى الصناديق للمطالبة بها.