تبدأ، اليوم، لجنة الخمسين لتعديل الدستور التصويت النهائى على مواده، لتنتهى منها قبل يوم الثلاثاء المقبل، ثم ترفعه إلى رئيس الجمهورية، ليطرحه على الاستفتاء العام، خلال خمسة عشر يوماً من تسلمه له.
تلك مناسبة تتطلب منا جميعاً أن ننتزع أنفسنا من الاهتمام بكل ما هو تفصيلى وجزئى وأحياناً تافه، لكى نتابع هذا التصويت الذى سيتم فى جلسات علنية تبث على الهواء مباشرة، ونتابع ما سوف يدور حول النص النهائى للتعديلات الدستورية من مناقشات بين القوى والتيارات السياسية وأساتذة القانون الدستورى من مناقشات تفسرها لغير المهتمين وغير المتخصصين من المواطنين، حتى يستطيع كل منا أن يحدد، على ضوء ذلك، الموقف الذى سوف يتخذه فى هذا الاستفتاء.
وعلينا جميعاً أن ندرك، منذ الآن، أن الذين يصرون على مواصلة إثارة الفوضى من أعضاء «التحالف الوطنى لدعم المرسوية وقبض النقدية» سيرفعون من وتيرة محاولاتهم، بهدف التشويش على كل جهد يبذل لفهم التعديلات الدستورية، ولإثارة الشبهات من حولها، لأنهم يدركون أن فهم المواطنين الصحيح لهذه التعديلات سوف يدفعهم لإقرارها فى الاستفتاء، ويؤسس بالتالى لشرعية دستورية جديدة تؤكد الشرعية الشعبية التى أسقطت - فى 30 يونيو - حكم المرشد والعهد المرسوى السعيد!
وما يفوت على هؤلاء هو أن الشعب المصرى يملك من الذكاء والوعى ما يمَكِّنه من إدراك أن التعديلات التى أدخلتها لجنة الخمسين على الدستور المعطل قد خلصته من كثير من العوار الذى كان يشوب مضمونه، والركاكة التى كانت تغلب على صياغته، والروح الطائفية والمذهبية التى كانت تحكمه، وجعلته - فى خطوطه العامة - أقرب ما يكون إلى دستور توافقى يعبر عن المشترك بين مصالح المصريين جميعاً الذين يدركون - كذلك - أن «مرسى» وأهله وعشيرته وتحالفه هم آخر الذين يجوز لهم الزعم بأنهم يدافعون عن دستورية وديمقراطية النظم الحاكمة، لأن الدساتير والبرلمانات ومبدأ «الأمة مصدر السلطات» هى - فى رأيهم - من صنع الطاغوت الذى يفتئت على حاكمية الله!
وإذا كان هؤلاء صادقين فى ادعاءاتهم الديمقراطية والدستورية، فالباب أمامهم مفتوح، بعد إقرار الدستور، لكى يخوضوا الانتخابات البرلمانية، ليعرفوا موقف الشعب الحقيقى منهم، وما يمثلونه حين يتقدمون لمصافحته بأيديهم المتوضئة بالدماء والمضمخة برائحة بارود القنابل والمتفجرات.
ذلك أيضاً ما ينبغى أن يدركه ثوار آخر الزمان الذين تركوا كل شىء، وتفرغوا للدعوة للقيام بمظاهرات لأسباب وهمية، لكى يلغوا قانون تنظيم الحق فى التظاهر، ويحولوا دون استقرار الأوضاع، لمجرد رفضهم أن «يخطروا» الشرطة مسبقاً بموعد وخط سير المظاهرات التى يدعون إليها، لكى تحول على الأقل، دون أن يتعرض لهم أحد، أو يندس بينهم مخرب، يحوز قنابل مولوتوف يستخدمها فى إعادة حرق المجمع العلمى بعد ترميمه.. وهو قانون يستطيعون وحدهم، إذا فازوا بالأغلبية فى الانتخابات المقبلة، أن يطالبوا بتعديله أو إلغائه من الأصل، أو أن يطلبوا ذلك من شركائهم فى «تحالف دعم المرسوية»، إذا فازوا بالأغلبية دونهم، ليصبح من حق كل مواطن أن يخرج فى مظاهرة فى أى وقت يريد، وأن يلعب بزجاجات المولوتوف كما يريد، وهو وضع أؤكد - طبقاً لما يقوله التاريخ - أنهم لن يفعلوه، ولن يفعله شركاؤهم!
آن الأوان لكى يكف الجميع عن هذه الألعاب الصبيانية الصغيرة التى لا صلة لها بالثورة ولا بالديمقراطية ولا بالوطنية، والتى لا تحقق أى مصلحة عامة، وأن يملك الجميع الشجاعة لكى يقولوا لهؤلاء العابثين إن ما يفعلونه إنما يمكِّن أعداء الثورة وأعداء الديمقراطية وأعداء الوطن من تصفية الجميع، ولو تذكر هؤلاء ما كان يقوله ويشيعه عنهم حلفاؤهم اليوم، إبان حكمهم، لأدركوا أنهم يلعبون فى الملعب الخطأ، ويسددون الأهداف فى فريقهم وليس فى فريق الأعداء.
آن الأوان لكى نكف خلال الشهور القليلة المقبلة، التى ستشهد الخطوات الحاسمة من خريطة المستقبل بمناقشة الدستور والاستفتاء عليه، ثم الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية - عن هذا الاهتمام المبالغ فيه بالتفاصيل الصغيرة، والقضايا الجزئية، مهما كانت درجة الاختلاف فيما بيننا حولها، وأن نمضى فى طريقنا بخطى حثيثة، وفى إطار جهة موحدة لنحقق الحلم الديمقراطى المصرى الذى صاغته ثورتا يناير ويونيو، والذى لم يكن من بين مطالبه أو مشاهده، أن نحصل على حق حرق المجامع العلمية والمكتبات وتدمير الآثار والكنائس وأقسام الشرطة والسجون والجامعات والحدائق العامة، لأن الذين يطالبون بهذا هم الفوضويون لا الثوار، والمسجلون خطراً لا المناضلون!
وسكوت.. ح نصوت!