حتى اليوم وبعد مرور نحو 37 سنة على الخطاب الذى ألقاه أنور السادات فى البرلمان الإسرائيلى (الكنيست) لم يخرج صوت واحد ينتقد السادات على ما قاله أو يتهمه بأنه ذهب ليعقد اتفاقا منفردا مع إسرائيل. وهذا الخطاب يعد وثيقة تاريخية تؤكد أن السادات ذهب إلى إسرائيل لحل الصراع العربى الإسرائيلى وتستطيع أن تقرأ فيه:
1ـ «إننى لم أجئ إليكم لكى أعقد اتفاقا منفردا، ليس هذا واردا فأى سلام منفرد بين مصر وإسرائيل لن يقيم السلام الدائم العادل فى المنطقة».
2 ـ إننى لم أجئ إليكم من أجل سلام جزئى ننهى فيه حالة الحرب فى هذه المرحلة ثم نرجئ المشكلة برمتها إلى مرحلة تالية فليس هذا هو الحل الجذرى.
3 ـ إننى أعلن للعالم كله أننا نقبل بالعيش معكم فى سلام دائم وعادل، وقد أعلنت أكثر من مرة أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة اعترف بها العالم وحملت القوتان العظميان مسؤولية أمنها وحماية وجودها.
4ـ إننا عندما نسأل ماهو السلام بالنسبة لإسرائيل يكون الرد هو أن تعيش إسرائيل فى حدودها مع جيرانها العرب فى أمن وأمان وفى إطار ماترتضيه من ضمانات لأنه سيحصل عليها الطرف الآخر.
5ـ هناك أرض عربية احتلتها ولاتزال تحتلها إسرائيل بالقوة المسلحة ونحن نصر على تحقيق الانسحاب الكامل منها بما فيها القدس العربية.
6 ـ ليس من المقبول أن يفكر أحد فى الوضع الخاص لمدينة القدس فى إطار الضم أو التوسع.
7 ـ ليس هناك من ينكر أن قضية شعب فلسطين هى جوهر المشكلة. وإذا كنتم قد وجدتم المبرر القانونى والأخلاقى لإقامة وطن على أرض لم تكن كلها ملكا لكم فأولى بكم أن تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد فى وطنه.
هذا بعض ماقاله السادت فى القدس، وهو كما يتضح يعبر بقوة ووضوح عن مطالب الشعب الفلسطينى فى دولته ومطالب الأمة العربية فى القدس. ولهذا أخرس الخطاب الجميع لأنه كان واضحا أنه لم يذهب من أجل مصر وإنما من أجل الفلسطينيين والعرب، ومع ذلك فما إن أعلن السادات عن مبادرته حتى أطلق عليه القادة العرب سهام الاتهام بالخيانة!
انتهت زيارة القدس يوم 20 نوفمبر 77 وبعد أقل من شهر بالتحديد يومى 14 و15 ديسمبر دعت القاهرة إلى مؤتمر فى فندق ميناهاوس لدفع عجلة السلام فى إطار الزيارة التى قام بها السادات للقدس وهزت الرأى العام العالمى ووضعت إسرائيل فوق المحك. وجهت الدعوات للمشاركة فى مؤتمر ميناهاوس إلى سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن ولبنان (الأطراف العربية المباشرة فى النزاع) ثم إلى إسرائيل والاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة والأمم المتحدة. وارتفعت أعلام الدول المدعوة على بوابة الفندق الكبير وأمام مقاعدهم فى قاعة الاجتماع. لكن أطراف النزاع العربى لم يحضروا أو يعتذروا.
وفى حلقات لبرنامج اسمه «رحلة فى الذاكرة» تذيعه قناة روسيا اليوم مع الأستاذ سعيد كمال ممثل وسفير فلسطين المناضل فى القاهرة منذ سنوات الستينيات وهو طالب يدرس فى الجامعة المصرية، اعترف للمذيع خالد الرشد أن أكبر خطأ تاريخى ارتكبه الفلسطينيون وأبو عمار هو عدم حضور مؤتمر ميناهاوس، وأن ياسر عرفات كان يعرف ضرر عدم حضور المؤتمر ولكن كانت هناك ضغوط حافظ الأسد والسوفيت. وقال سعيد كمال إنه فى اتصال من القاهرة مع منظمة التحرير فهم أن ياسر عرفات لا يمانع فى أن يذهب سعيد كمال بشخصه إلى مؤتمر ميناهاوس دون غطاء فلسطينى، وحسبها سعيد فوجد أنه يمكن أن يجد نفسه فى اليوم التالى خائنا ومذبوحا بخناجر المزايدين.
وفى هذا الحوار الصادق الجرىء الذى أجراه سعيد كمال لأول مرة بعد هذه السنين، قال إن السادات أبلغ عرفات بصراحة بأنه لا يعنيه سوريا أو الأردن وإنما الذى يعنيه هو الفلسطينى وأنه قال لعرفات: تيجى معايا وتقف جنبى وترفع العلم معايا وماتسمعش كلام السوفيتى أو الأمريكانى محدش حيحارب قضيتكم غيركم. وصاح سعيد كمال فى ألم: من كان أفضل لنا: مينا هاوس أم أوسلوأليس مينا هاوس؟
سأله المذيع: هل كان السادات يقول للفلسطينيين مالا يضمره؟ قال سعيد بلا تردد: السادات عمره ما أضمر شىء للفلسطينيين. السادات كان يريد للفلسطينيين ماكان يريده عبدالناصر، لكن الفرق أن السادات كان يقتحم الأهوال وهذه مدرسة مختلفة عن عبدالناصر. وهكذا بدلا من أن يصبر العرب على السادات بضعة أيام ويكونوا عونا له وقوة خفية تدعمه فى طريق الأشواك الذى سار فيه بعد زيارته القدس، فإنهم على العكس حاربوه بكل ما يستطيعون حتى يكشفوا أنه وحده فى طريقه وكونوا ضده ما أطلقوا عليه «جبهة الصمود والتصدى». وكان أمام السادات أن يعترف بفشله ويعود خالى الوفاض ليكون انتحارا لنفسه وبلده، بينما هو متأكد أن العرب لن يستعيدوا شبرا من الأراضى التى احتلتها إسرائيل أو يكمل.. ورغم هذا نجح السادات فى كامب ديفيد أن يوقع إطار حل للقضية الفلسطينية لم ير النور فهل كان يرفض بعد ذلك استعادة أرضه تمسكا بصداقة سوريا التى لم تحصل حتى اليوم على شبر من الجولان؟