كانت مفاجأة كشفتها المحكمة الدستورية عندما قررت أثناء نظرها قانون مباشرة الحقوق السياسية أنه بحسب الدستور (تقصد دستور مرسى ـ الغريانى 2012) يتعين أن يشارك العسكريون فى الجيش وفى الشرطة فى الانتخابات التى تجرى. وقد تم تبرير ذلك فى وقتها (فى شهر مايو الماضى) بأنها غلطة بحسن نية وقع فيها الذين وضعوا الدستور. إلا أنه فى الوقت نفسه بدأ الحديث عن أن التصويت فى الانتخابات والاستفتاءات حق مقرر للعسكريين فى الدساتير المختلفة السابقة إلا أن القانون كان يعفيهم من ممارسة هذا الحق، خاصة فى الظروف التى مرت بها القوات المسلحة بالذات سواء فى 56 أو 67 أو 73، وبالتالى علينا أن نفهم أن هذه الظروف انتهت وأصبح طبيعياً أن يشارك العسكريون فى الإدلاء بأصواتهم!
كان دستور مرسى ـ الغريانى قد نص فى مادته 55: مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب طنى، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق. ولما كان نفس الدستور (مادة 33) يقول: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك، فإنه بذلك تصبح مشاركة جميع المواطنين فى إبداء الرأى فى الانتخابات متساوية لا فرق إذا كان المواطن مدنياً أو عسكرياً، فمادة المساواة تقول لا فرق، ومادة مباشرة هذا الحق لم تعف العسكريين من ممارسته، وبالتالى وجب إدراج جميع أفراد القوات المسلحة من الفريق إلى أصغر مجند وجميع أفراد الشرطة من الوزير إلى أصغر عسكرى فى كشوف الانتخابات، وهو ما يعنى ضم أسماء جميع العسكريين من جيش وشرطة ضمن قاعدة بيانات الناخبين، وهذا بالضبط هو الهدف الذى سعى إليه الإخوان بصرف النظر عن التبريرات التى ذكرت أنها غلطة وقعوا فيها. بينما كان هذا الهدف عملاً مقصوداً كشفته المحكمة الدستورية. وحتى إذا انتهى الأمر إلى إيجاد أى مبرر لعدم مشاركة العسكريين فى التصويت فى الانتخابات، فلم يكن المطلوب تصويتهم بل أسماءهم. نعم كان الإخوان، وهو ما فعلوه منذ وضعوا أيديهم على الحكم، يسعون إلى أن تكون لديهم قاعدة بيانات كاملة عن مختلف أجهزة الدولة، خاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية بالذات لمعرفة الجماعة بأنهم سيدخلون يوماً معركة معهم يتعين تسلحهم فيها بالمعرفة الكاملة على تفاصيلهم.
من حسن الحظ أنه لم تبدأ إجراءات إعداد قوائم الانتخابات فى عهد الإخوان، فقد كانت سنة واحدة حكموا فيها أثبتت أنهم يجهلون شؤون الحكم، وأنهم قد يجيدون تنظيم شبكة جماعة وسرية أجهزتها، ولكنهم لا يفقهون فى إدارة الدولة، ولهذا استهدفت إدارتهم على مستوى الدولة تخصيص أفراد الجماعة على حساب الآخرين، حتى وإن أدى هذا كما حدث فعلاً إلى معاداة الأزهر والأقباط والقضاء والإعلام والمثقفين ورجال الإعلام ومعهم الجيش والشرطة، بحيث لم تعد هناك تقريباً فئة واحدة لم يدخلوا معها فى حرب، متصورين أنهم يمكن أن يستمروا كذلك أربع سنوات، وهو ما واجهه الشعب بقوة وحسم عندما أنهى هذا الحكم.
وعندما نعود إلى الدستور الجديد الذى سيطرح للاستفتاء نجد أنه بعد أن نص فى مادته 87 على أن مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، وأن لكل مواطن حق الانتخاب والترشح، فإنه أضاف عبارة «ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب فى حالات محددة يحددها القانون»، والمقصود بالطبع من ذلك إعفاء العسكريين، بما لا يترك مجالاً لتفسير أو تأويل.