التقرير الخطير الذي نشرته صحيفة النيويورك تايمز أول أمس عن اللواء محمد التهامي رئيس المخابرات العامة المصرية ، هو من الخطورة الشديدة بما لا يحتمل الصمت أو التجاهل من الجهات الرسمية المصرية ، وبشكل خاص صاحب قرار توليته هذا المنصب الرفيع ، وهو الفريق أول عبد الفتاح السيسي ، لأن الصمت سيعني الكثير ويهدد الثقة في هذا الجهاز الوطني الحساس ويسقط هيبته في الداخل والخارج ويضعف بالتالي من فاعلية نشاطه وعمله وهو شديد الأهمية للوطن ، تقرير النيويورك تايمز الذي سجل أعلى موضوع في نسبة القراءة على موقع الصحيفة حتى الآن تحدث عن اللواء التهامي الذي كان يرأس هيئة الرقابة الإدارية ووصفته بأنه رأس الفساد في مصر خلال فترة مبارك ، وأنه حلقة الوصل بين ملفات فساد عديدة ، وأنه تستر على ملفات فساد رموز عصر مبارك من وزراء وشخصيات رفيعة بما في ذلك نجليه علاء وجمال ، كملف الطائرة الخاصة واليخت الخاص اللذين تم شراؤهما لهما بالمال العام ، وكذلك ملفات فساد رهيبة في القطاع العقاري مع وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان ، وذكرت الصحيفة محطات مروعة في مسيرة الفساد المنسوبة إليه تشمل علاقاته مع محامين لمبارك ومع قضاة وآخرين وأنه السبب في ضياع أموال مصر المهربة للخارج وتعمد تضليل أجهزة الدولة عن الوصول إليها ، والتقرير تفصيلي ويتحدث عن وقائع محددة ، وكان الرئيس المعزول محمد مرسي قد أصدر قرارا بعزله عن منصبه بالرقابة الإدارية بعد أن اطلع على ملف الفساد الذي تناولته وقتها صحف مصرية عديدة بالتفصيل ، وأمر بإحالته للتحقيق بمعرفة النيابة العامة ، ولم ينطق التهامي يومها بأي كلمة وبدا أنه مستسلم لمصيره ، وتصور الجميع أن الملفات الخطيرة دمرت الرجل ومستقبله ، لكن الذي حدث أن الفريق السيسي بعد عزل مرسي مباشرة أصدر في اليوم التالي قرارا ـ ليس بإعادة اللواء التهامي لهيئة الرقابة الإدارية ـ بل بتوليه رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية ، وهو قرار مجازفة بكل المقاييس ، حاولت الصحيفة الأمريكية تفسيره بأن التهامي صاحب "جميلة" على السيسي ، وهو الذي رعاه في المخابرات الحربية وأوصى بتعيينه قائدا لها ، وفور نشر التقرير قامت مواقع ست صحف مصرية في صوت واحد ، وكأنما مايسترو حرك الجميع على موجة واحدة ، باتهام الصحيفة الأمريكية بأنها مشبوهة وأنها مدفوعة لتشويه المخابرات المصرية لأنها نجحت في كشف تنصت المخابرات الأمريكية على قادة العالم ، وهو كلام مساطيل ومن احتقار العقل مناقشته أساسا ، لكن الأهم أن الصحيفة لم تتعرض للمخابرات العامة المصرية بأي سوء ، الصحيفة تحدثت في ملف موثق وتفصيلي عن فساد موظف مصري اسمه محمد التهامي ، وأن فساده كان أثناء عمله في هيئة الرقابة الإدارية ، وحتى إذا كان في الجهاز الأمني وفسد فلا يعني ذلك أن الجهاز فاسد ، هذا ما لم تقله الصحيفة ولا نحن نقبله على جهاز وطني سيادي نفخر به ، والمؤكد أن مثل قنابل الدخان هذه لن تصرف الناس في الداخل والخارج عن الحديث الدائم عن فساد رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية ، وهذا هو الخطير والمؤسف ، خاصة وأن التحقيقات معه توقفت ، واختفى كل شيء ، حتى مقدم المخابرات الذي فتح معظم هذه الملفات اختفى ولا يعلم أحد أين هو . المطلوب هو نقض ومواجهة قائمة الاتهامات الموثقة التي عرضت لها الصحيفة الأمريكية ، لأنها صحيفة عالمية عالية الموثوقية والأهمية ، وهي ليست من صحف بير السلم كالتي عندنا ، ولا تنشر إلا ما توافر لديها الأدلة والقناعة الكافية لصحته ، وقد أسقطت حكومات وأزالت نظما وأحرجت آخرين من عظماء العالم على مدار السنوات الماضية لقوة تقاريرها ، والنيويورك تايمز ليست صحيفة الحرية والعدالة حتى تخدم على الإخوان المسلمين مثلا ، وهناك ضرورة وطنية وأخلاقية الآن تلزم الفريق عبد الفتاح السيسي بالدفاع عن قراره باختيار هذا الشخص تحديدا ـ وهو على المعاش ـ ليتم تعيينه رئيسا للمخابرات رغم كل هذه التقارير والملابسات التي يحملها ملفه الوظيفي ، ورغم أن الجهاز مليء بالكفاءات والكوادر الوطنية المصرية الشريفة والقادرة على إدارته ، وإذا كانت الكليات الحربية تستبعد أي شاب من القبول بها إذا قامت "شبهات" قوية عليه أو على أقاربه حتى الدرجة الرابعة ، فلا أعتقد أنه من اللياقة أن يتم إسناد رئاسة جهاز بهذا القدر من الخطورة والأهمية لشخصية عليها كل هذه القائمة من الاتهامات الخطيرة بالفساد وخراب الذمة ، لقد وصل الحال إلى أن أحد الديبلوماسيين الغربيين علق قائلا : أن تولي هذا الرجل مسؤولية هذا المنصب يعني أن هذا البلد "مصر" لم تمر عليه ثورة أصلا .
الرئيسية 
