هناك مشكلة حقيقية في فهم واستيعاب موقف الإخوان المسلمين وحلفائهم من الأزمة السياسية الحالية وصورة المستقبل في مصر ، مبعثها ـ في تقديري ـ هو غياب الرؤية الواضحة لدى الجماعة عما ينبغي فعله ، ربما بسبب تقطع أوصال الحوار بين قياداتها التي في السجون والقيادات الموجودة خارج البلاد ، فهناك عجز حقيقي عن اتخاذ أي قرار إيجابي أو خطوة إيجابية تجاه المجتمع نفسه والحراك الثوري فيه بشكل أساس ، ولذلك يتمسكون بالتوقف عند موقف الاحتجاج والتظاهر ورفض ما جرى ، الإخوان قلقون للغاية من الاعتراف بأنهم أخطأوا خلال تجربة العام التي قضوها في الحكم وأن هناك كراهية شعبية حقيقية واسعة النطاق من ممارساتهم ، على اعتبار ان الاعتراف بالخطأ الآن يمكن أن يمثل إضعافا لحراك الشارع الذي يراهنون عليه لاستنزاف السلطة الجديدة وشل حركتها ، غير أن هذا الخوف ـ وإن كان له بعض الوجاهة ـ إلا أنه بالمقابل يجعل الجماعة تجني خسائر أضعاف ما يمكن أن تخسره من اعترافها بالخطأ ، ينبغي أن تدرس الجماعة سريعا أسباب امتناع كل القوى السياسية المصرية تقريبا عن إدانة ما يحدث للجماعة الآن ، رغم قناعة الكثيرين بأنه ظلم واستباحة وتصفية سياسية لا صلة لها بالقانون ، لأن الجميع يعتقدون أن الجماعة ما زالت تمثل خطرا على الوطن وعلى الثورة وعلى المستقبل ، لأن أجندتها خاصة جدا وطموحاتها لا صلة لها بالوطن إلا كنقطة انطلاق فقط وأن براجماتيتها تسمح لها باستخدام منتهى القمع والإقصاء إذا امتلكت أدواته من أجل فرض إرادتها على الجميع ، ولذلك يقف الكثيرون مما يحدث موقف المتفرج باعتبار أنه "ظلم يدفع ظلما" ، وباستثناء فلول نظام مبارك ، لا يوجد أي قوة سياسية في مصر الآن ترحب بعود الجيش للحكم ، والجميع يخافون من طموحات العسكر ، ويقلقهم طموح الفريق السيسي ، ولكن خوفهم من الإخوان أكبر ، ويشل أي قدرة لهم على التصدي لمشروع عسكرة الدولة ، لأنهم يعتبرون أن إضعاف السيسي الآن لا يخدم سوى الإخوان ، ولذلك يصح القول بأن المفارقة الآن أن الإخوان هم أهم داعمي طريق السيسي نحو الرئاسة ، ويعزز من تلك المخاوف أمران : الأول هو رفض الجماعة اجراء أي مراجعة لتجربة الحكم وسرعة النفي المتشنج لوجود أي اعتذار عما حدث وهو ما يمثل احتقارا حقيقيا لغضب ملايين المصريين واستهانة بهم ، وهذا يبعث برسالة للآخرين أن هذه هي الروح التي يفكرون بها إذا عادوا من جديد ، فمن المجنون الذي يفكر في إعادتهم ، وبالتالي فلا أمل في إصلاح ولا مصالحة ، والثاني هو ميل الإخوان دائما إلى ممارسة السياسة بروح التنظيم السري بعيدا عن الضوء والشفافية ، وانجذابهم الدائم إلى صفقات الغرف المغلقة بعيدا عن شركاء الوطن ، سواء ما حاولوه مع اللواء عمر سليمان أثناء ثورة يناير ، أو مع المجلس العسكري أثناء سلطة المشير وعنان ، أو مع الفريق السيسي والجيش أثناء حكم مرسي ، أو في الجهود التي تبذل الآن مع القيادة العسكرية الجديدة ، دون أن يكون لأي قوة سياسية مصرية أي دور أو معرفة بما يحدث ، حيث يعتقد الإخوان أنه ـ كما قال الدكتور محمد بديع أيام طنطاوي ـ لا يوجد في مصر قوى منظمة وقادرة سوى قوتين : الإخوان والجيش ، وبالتالي تركز الجماعة على الجيش مواجهة أو حوارا ، دون أي تفكير في بقية أطياف الوطن ، هم في تقديرها غير موجودين أو كمالة عدد سياسي ، وهو خطأ سياسي مروع ، وهو ما يعزز احتشاد كل القوى مع الجيش ضد الجماعة بشكل تلقائي . تحتاج جماعة الإخوان بشكل عاجل إلى خطاب سياسي جديد ، ليس ضروريا أن يسمى اعتذارا ، وإنما مراجعة لمسار الوطن خلال العامين الماضيين ، تؤكد فيه على احترامها للغضب الشعبي من تجربتها ، واحترامها للإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها في 30 يونيو ، وليس بالضرورة الترتيبات التي أطلقها الجيش في 3 يوليو ، وأن هناك أخطاء في استيعاب الحراك الثوري وتحقيق الشراكة الوطنية أثناء حكم مرسي وأن هناك إقصاءا سياسيا حدث ربما بدون قصد بفعل حداثة التجربة ، وأنه إدراكا منها لحساسية المرحلة الانتقالية وخصوصيتها فإن الجماعة تتعهد بتجنب النزال السياسي حول منصب رئيس الجمهورية لمدة دورتين رئاسيتين متتاليتين ، وأنه لن يكون لها مرشح من أبناء الجماعة ولا حلفائها ، وأنها تقبل بما ينعقد عليه الإجماع الوطني من مرشحين بعد حوار تشارك فيه ، وأنها تحترم مقتضيات الشراكة الوطنية في صياغة الدستور الجديد للبلاد بغض النظر عن غالبية وأقلية ، وأنها تتعهد بعزل الجهاز الأمني والعسكري والإداري للدولة عن الإدارة السياسية للبلاد بما يقطع الطريق على "أخونة" أجهزة الدولة وإداراتها تحت أي مبرر ، ، وأنها تتعهد بإدانة واضحة وصريحة لأي أعمال عنف أو إرهاب تتعرض لها البلاد ، وأنها تؤمن بأن إعادة بناء الدولة المصرية لا يكون إلا بشراكة وطنية كاملة من أول رئاسة الدولة أو الحكومة أو البرلمان . أعتقد أن خطابا سياسيا جديدا وعقلانيا وأمينا للجماعة مع الشعب المصري وقواه الحية الآن يعالج المحاور السابقة ، يمكنه أن يفتح أفقا جديدا لحل الأزمة بأسرع من خيالات الغرف المغلقة ، كما يمكنه ـ وهذا مؤكد ـ أن يعيد صياغة معادلات الصراع الحالي في مصر وموازين القوة فيه .