البيان الذي أطلقته جماعة الإخوان المسلمين أمس بمناسبة استقبال الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير التاريخية والمجيدة ، هو بيان نادر وأعتقد أنه غير مسبوق في تاريخ جماعة الإخوان ، لأنه للمرة الأولى يحمل اعتذارا واضحا للشعب المصري عن أخطاء ارتكبتها الجماعة وأدت بنا إلى ما نحن فيه الآن ، أيا كان توصيفه أو فهمه ، لم يسبق للجماعة أن أعلنت مثل هذا الاعتذار العلني عن سياسات وإجراءات ومواقف اتخذتها ، دائما كانت الجماعة تراوغ وترفض الاعتذار ، وتكتفي بالأحاديث الهروبية الفضفاضة من مثل "كلنا بشر وكل البشر يخطئون" ، لكنها لم تذكر ـ بشكل رسمي ـ أبدا موقفا واحدا محددا أخطأت فيه ، اليوم نحن أمام تحول جديد ، ينبغي التعامل معه بشيء من الجدية ، كما أني أتصور أنه في المجمل تطور إيجابي في سلوك الجماعة ، لأن الاعتراف بالخطأ هو مفتاح الطريق لكي تصلح من مسارك ومواقفك ، وطالما لم تعترف بخطئك فمن المستحيل أن تصلح أو أن تقنع الآخرين بأنك جدير بالشراكة والثقة . هذا التطور كان ثقيلا للغاية على الجماعة ، وحتى صيغة البيان تحمل الإحساس بثقل الكلمات وتأخير مواطن الاعتذار إلى آخره ، وحشوه بالكلام العاطفي عن الثورة والتوحد والذوبان وإنكار الذات من أجل الوطن ، ولا يقلل من قيمة البيان أنه يأتي في ظروف تجد الجماعة فيها نفسها تحت وطأة الآلة الأمنية القاسية والإجراءات القضائية والسياسية التي تشدد الحصار عليها بصورة غير مسبوقة ، ولكني كنت أتمنى أن لا يكون أول شرح للأخطاء التي وقعت فيها الجماعة هي ثقتها في المجلس العسكري ، أو كما قال البيان بنصه : (وإذا كان الجميع قد أخطأوا فلا نبرئ أنفسنا من الخطإ الذي وقعنا فيه، حينما أحسنا الظن بالمجلس العسكري) ، لأننا إذا كنا أمناء مع أنفسنا ومع الدعوة إلى المصالحة فينبغي أن نضع الخطأ في سياقه الحقيقي والصحيح ، فالخطأ ليس في وضع الثقة بالمجلس العسكري ، ولكن في التحالف مع المجلس العسكري على حساب بقية قوى الثورة ، الخطأ كان في تصور أنك تملك دعم الجيش وبالتالي يمكنك أن "تدوس" على كل شركاء الثورة أو مؤسسات الوطن الأخرى ، بما فيها القضاء ، وبعد أن خسرت كل هؤلاء واستعديتهم اكتشفت في النهاية أن "الركن الشديد" الذي كنت تتصور أنك تستند إليه تلاعب بك ، واستخدمك بذكاء لحشد الجميع ضدك وارتمائهم في حضنه ، وتوسعة الطريق أمامه في الوقت الذي كنت تظن أنت أنك الذي تستخدمه وتوظفه لتوسعة الطريق أمام مشروعك ، هذه هي الحقيقة ولو كانت مرة . لقد قال البيان في ختامه ما نصه : (ولا ريب أننا جميعا قد وعينا الدرس، واقتنعنا بحكمة أن الوطن للشعب كله بكل أفراده وفصائله وقواه، نديره عبر مشاركة حقيقية من كل أطيافه، لا تستثني أحدا، ولا تقصي أحدا، ولا تحتكر الحقيقة، ولا تتحكم في توزيع صكوك الوطنية بالهوى) ، حسنا أن نكتشف في النهاية أن الطريق كان "المشاركة الحقيقية لكل القوى والفصائل في إدارة الوطن وعدم الإقصاء والبعد عن ادعاء احتكار الحقيقة والوطنية ، حسنا أن ندرك أن منطق "اختطاف الثورة" وتجيير نتائجها لصالح مشروع سياسي لتنظيم أو جماعة وليس للوطن بكل شركائه كان عملا خاطئا وغير أخلاقي ، وأذكر كم كانت الإهانات والشتائم والهجوم والتجريح والاتهام في الذمة الذي نال كل من اختلف مع الجماعة من المثقفين والإعلاميين والنشطاء عندما كانوا ينبهون الجماعة إلى خطورة هذا السلوك الكارثي ، وأنه سيدمر الجماعة نفسها والثورة كلها ويضيع البلد ، وكيف كانوا ينكرون كل ذلك ، ويقولون لك أن الصندوق هو المرجع الوحيد والشعب اختار الجماعة مع مرسي ونحن لا نقصي أحدا ، وغير ذلك من المراوغات شديدة الاستفزاز والمدعومة بأرقام وهمية للوزراء والمسؤولين المحسوبين على الجماعة ، وصم الآذان بتعالي واستخفاف عن كل نداءات التغيير والإصلاح وإنقاذ المسار . البيان تحول إيجابي كما قلت ، وأتمنى أن يكون له صداه العملي في السلوك السياسي للجماعة وأنصارها ، وإعادة صياغة كثير من المفاهيم عن تصور معنى الشراكة السياسية ومعنى القبول السياسي بالآخر واحترام التعددية وحمايتها ، وهي أمور تحتاج تصحيحا في الوعي والفكر والثقافة السياسية قبل الممارسة العملية ، وإن كنت أتصور أن البيان لن يكون كافيا ـ الآن ـ لإقناع القوى الوطنية والثورة الأخرى للثقة من جديد بالجماعة أو التصالح معها فضلا عن الشراكة السياسية ، ولكنه ربما يكون عاملا مساعدا في جهود احتواء أزمة الوطن الحالية والانسداد السياسي الذي غيب اليقين بصورة المستقبل .