بعد يوم من صدور الحكم بحل جمعية الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها وممتلكاتها ودعوة الحكومة لتشكيل لجان لإدارة هذه الأصول ، قال الدكتور أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي ـ المسؤول عن الجمعيات الأهلية ـ أن الحكومة لن تنفذ هذا الحكم لأنه حكم أول درجة ، وأنها ستنتظر حتى انتهاء مراحل التقاضي في تلك القضية ثم تنفذ الحكم ، في الليلة ذاتها واجهت الحكومة حملة عاتية من نشطاء وقيادات سياسية مخاصمة للإخوان المسلمين ، واتهمت الحكومة بالجبن والخوف والتراجع ، وأنها تخاف من الإخوان وأنها حكومة غير مؤهلة للتعبير عن روح الثورة ، في اليوم الثاني أعلنت الحكومة أنها ستنفذ حكم محكمة الأمور المستعجلة ولن تنتظر نهاية التقاضي ولكنها فقط تنتظر الصيغة التنفيذية للحكم من المحكمة وستقوم باللازم ، هذا المشهد يمكن أن تنقله إلى تفاصيل أخرى عديدة في شؤون الحياة السياسية المصرية الآن، لا يمكن أن تخطئ وجود حالة اضطراب وعدم وضوح رؤية ، وكما أشرت من قبل أن الحكومة تعمل بالقطعة ، باليومية ، وكل صباح جديد نفكر في الجديد وماذا نعمل فيه ، وحسب الموجة السايرة ، وأنا لا أعرف كيف يمكن من الناحية العملية والقانونية أن نطبق مثل هذا الحكم ، إنه حكم يتعلق بجمعية الإخوان المسلمين ، فهل هي جمعية محمد مهدي عاطف التي سجلها في الشؤون الاجتماعية قبل ستة أشهر تقريبا من الآن بنفس الاسم ، أم أنها تتعلق بجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا في العام 1928 ، إذا كان الحكم متعلقا بجمعية مهدي عاكف ، القيادي الذي يمثل أبرز هدايا الإخوان لمعارضيهم ، فإن الحكم لا تتعدى قيمته المداد الذي كتب به ، لأن هذه الجمعية في الحقيقة وهمية ولا وجود لها ، وقد اخترعها الإخوان للتمويه وخداع المجتمع بأنهم "قننوا" وضعهم ضمن كيان الدولة القانوني والدستوري ، بينما هم في الحقيقة كانوا ما زالوا يلعبون في فضاء سياسي ومالي واجتماعي غير محدود ولا ينضبط تحت أي قانون أو هيكل رسمي للدولة ، وكانت تلك من الغرائب والعجائب ، فبينما هم في السلطة رئيسا وحكومة وبرلمانا ، يرفضون أن تكون للسلطة ولاية قانونية عليهم ويهربون من ذلك ، والمهم أن الحكم في هذه الحالة لا قيمة له ، وأما إذا كان الحكم متعلقا بجماعة الإخوان القديمة والتاريخية ، فهو يفتح الباب أمام معضلات كثيرة ، لأن الدولة تعاملت فيما مضى مع الجماعة بوصفها محظورة قانونا ، فهل محكمة الأمور المستعجلة تحظر في المحظور ، وهل هذا الحكم يعني أن الجماعة قبل صدوره لم تكون محظورة قانونا ، والأمر الآخر يتعلق بممتلكات الجماعة وأصولها ومصادرة تلك الأصول ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفتح بابا للاستباحة والفوضى في عموم مصر ، لأن الجماعة في واقع الأمر لم تكن لها مستندات قانونية ، لأنها تعمل خارج إطار القانون ، وكل أعمالها وأنشطتها وحتى عضويتها ذات طابع عرفي وليس قانوني ، ولا يوجد أي سجلات قانونية يمكن الاعتماد عليها في شيء من ذلك ، ومن ثم فإن منطق العدل في تطبيق حكم الأمور المستعجلة أن تصدر أحكام أخرى تطبيقية لكل حالة وكل منشأة ، يثبت فيها بحكم قضائي بات أنها ملك للجماعة أو تابعة لها ، لأن هناك الآلاف من المتاجر الصغيرة والكبيرة والمصانع والمستشفيات والمدارس ومختلف النشاطات المالية لمواطنين ، وكلها تعمل وفق قوانين الدولة بوصفها شركات مستقلة ، وبعض هذه النشاطات أحد أعضاء مجالس إدارتها مثلا عضو بالإخوان ، فهل سيتم مصادرة حقوق كل هؤلاء المواطنين لأن أحد شركائهم كان من المنتمين للجماعة ، كيف يمكن غلق مدرسة أو مصادرتها مثلا باعتبار أنها من ممتلكات الجماعة ، ما هي الوثائق التي تثبت قانونا أن هذه المدرسة من ممتلكات الجماعة ، أعتقد أن هذا الحكم سيفتح بابا للفوضى وإهدار الحقوق وإهدار القانون نفسه . والحقيقة أن ما أقوله هنا لا يتصل بمشروعية وجود الجماعة من عدمه ، فقناعتي الراسخة أنه لا ينبغي مستقبلا وجود هذا النمط من العمل الجماعي الشمولي المنظم خارج إطار القانون ، وأن العالم الحديث تجاوز الحسابات التاريخية والدينية التي ولدت في أجوائها جماعة الإخوان كبديل اجتماعي وديني وسياسي لدولة الخلافة الزائلة ، هذه صفحات ينبغي أن تطوى من ذاكرة الإسلاميين ، لأنها أصبحت عبئا عليهم وعلى أوطانهم على حد سواء ، وأحد أهم عوائق اندماجهم في مجتمعاتهم سواء كقوى سياسية أو قوى مدنية ، وهذا ما يحرمهم دائما من تحقيق أي نجاح ملموس رغم قدراتهم الكبيرة ، أو أن يكونوا قوى دافعة لنمو مجتمعاتهم وتحديثها وتطوير بنيتها السياسية والإنسانية .