لم أكن أصدق الكلام الذي أطلقه وزير الرياضة ورئيس اتحاد لعبة الكونغ فو ضد اللاعب محمد يوسف بطل العالم الذي شرف مصر والعالم العربي في البطولة العالمية التي شهدتها مدينة "سان بطرسبرج" الروسية ، واعتبرت أنه على سبيل التهويش لا أكثر ، وكان اللاعب قد فاز فى المباراة النهائية لوزن 90 كجم على اللاعب الإيرانى "أرمان بازيارى "بنتيجة 0/2، ليحصل على لقب بطل العالم والميدالية الذهبية ، قبل أن يرفع شارة "رابعة" أثناء وجوده على منصة التتويج، وارتداء تى شيرت يحمل شعار رابعة ، وهو شعار الأصابع الأربعة الذي انتشر سياسيا بعد عملية الفض الدموية لاعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية ، وقد تحولت هذه الإشارة إلى رمز سياسي لكل المحتجين على تطورات الأحداث في مصر وعمليات استباحة الدم ، سواء كانوا من جماعة الإخوان أو من التيار الإسلامي أو حتى مواطنين عاديين ونشطاء سياسيين وحتى أقباط لا ينتمون إلى أي جماعة ، ولكن الغضب استبد بهم بعد هذه الأحداث ، واللاعب ـ أي لاعب ـ لا يمكن أن تعزل مشاعره عن أحداث بلاده أو أمته ، وعندما تصدر من اللاعبين مثل هذه الإشارات فإنها تفهم على أنها تنفيس غضب أو شعور بالتضامن مع الضحايا ، وعادة يكتفي اتحاد اللعبة بلفت نظر اللاعب لمنع تكرار الإشارة ، هذا في أبعد الأحوال ، وقد فعلها اللاعب الخلوق محمد أبو تريكة في البطولة التي توجت فيها مصر ببطولة أفريقيا ، عندما كشف قميصه عن شعار مناصر للشعب الفلسطيني في قطاع غزة غضبا منه للأعمال الوحشية التي قامت بها القوات الإسرائيلية وأسفرت عن قتل وجرح المئات من أبناء غزة ، وأذكر أن هوجة من النقد تعرض لها أبو تريكة وقتها أيضا من بعض الإعلاميين ، بينما تعاطف مع آخرون ، وهذا مفهوم ، ولم يتم التعرض لأبو تريكة بأي سوء على موقفه السياسي أو الادعاءات الفجة بخلطه السياسة بالرياضة ، بل إن لاعبين كثيرين بعده قلدوه في بعض هذه الشعارات . أما ما حدث مع اللاعب البطل محمد يوسف فهو خارج حدود العقل والتصور ، إذ قرر رئيس اتحاد اللعبة بترحيل اللاعب على الفور من البطولة دون انتظار لانتهاء فعالياتها ، كما قرر وزير الرياضة طاهر أبو زيد حرمانه من تمثيل مصر في أي بطولة دولية أخرى بعد ذلك ، كما وصلت المهزلة قمتها عندما طالب قاضي يدعى أشرف ندا ، يقول أنه رئيس محكمة استنئناف القاهرة ، وطالب هذا الذي يزعم أنه قاضي بسحب الجنسية المصرية من اللاعب ، وهذا لا يحدث حتى عندما يرتكب بعض المواطنين جريمة الخيانة العظمى ، فيبدو أن هذا الذي يدعي أنه قاضي في محكمة الاستئناف رأي أن رفع اللاعب البطل شعار تعاطف مع ضحايا فض اعتصام رابعة هو أمر أكبر من كونه خيانة عظمى ، وأنا لا أفهم كيف يسمح المجلس الأعلى للقضاء لقضاة أن يتورطوا في مثل هذه التصريحات المشينة والمهينة للقضاء ، والتي يمكن أن يطلقها بعض العامة والغوغاء على المقاهي والغرز ، ولا يتصور أن تصدر من شخص ينتمي إلى شرف القضاء ، كما لا أفهم ما دخل هذا القاضي في خلاف بين لاعب واتحاد اللعبة ، وهل يتحول القاضي إلى حشو المجالس وأحاديث السمر ، وخاصة أن القرار المجنون الذي اتخذه وزير الرياضة أو رئيس اتحاد اللعبة من حق اللاعب أن يطعن عليه أمام القضاء ، كما من حقه أن يطالب بالتعويض أمام القضاء أيضا ، فإذا كان القضاء حكم بأنه مجرم وخائن لوطنه ولا بد أن تسحب منه الجنسية المصرية ، فما معنى العدالة إذن في مصر ، وما قيمة هذا القضاء وما الداعي لوجوده أساسا ، وهل سيكون هذا اللاعب البطل مضطرا للاحتكام إلى المحاكم الدولية ، طالما أن قضاء بلاده بهذا القدر من الخفة التي تجعله يطلق أحكامه مسبقا وينحاز سياسيا ضد لاعب بطل شرف بلاده وحصل لها على الميدالية الذهبية وتوج بطلا للعالم . ما هذه السخافات التي تحدث في مصر ، وما هي تلك الجريمة التي يمثلها رفع شعار رابعة ، ما هي الجريمة في أن يتضامن ملايين المصريين مع أكثر من ألف قتيل من ضحايا الفض الغشيم لهذا الاعتصام والذي أثار استياء العالم كله ، وهل سيطالب هذا القاضي بسحب الجنسية المصرية عن ملايين المصريين ليشفي غليله السياسي ، .. أما أنت يا محمد يوسف ، فأنت البطل وكلهم هاموش ، ولو كنت رفعت صورة الفريق السيسي لمنحوك الذهب فوق الذهب هنا وجعلوك نجما ، يا محمد يوسف أنت شرف لمصر الوطن والكرامة ، وهم عبيد الخوف أو الكرسي أو جنون الفاشية ، ولا يشرفك يا ولدي أن تمثل هؤلاء في أي بطولة عالمية ، حتى يقضي الله أمرا في مصر ومستقبلها .