السؤال الذى على لسان الشعب المصرى، خاصة الفئة الفقيرة والمتوسطة منه، والذى لم يجد جواباً عليه منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الآن: «وماذا بعد؟».. هذا السؤال مطروح الآن وبشدة فى كل مكان فى مصر، خاصة بعد الذى حدث فى 30/6، 3/7 لايزال الشعب حائراً، بل ازدادت حيرته خاصة بعد تردى الأوضاع الاقتصادية إلى الأسوأ واشتداد وطأة نار الأسعار التى تكوى أجساد الفقراء بصفة خاصة. لقد سمعت عبارة لأحد المفكرين يقول فيها إن ثورة 25 يناير لم تمنع ثورة الجياع ولكن أجلتها فقط، وهذه حقيقة يجب أن يدركها ويتنبه لها الحكام قبل المحكومين، لأنهم سيكونون أول ضحاياها.
الشعوب لا تقوم بالثورات رفاهية، ولكن تقوم بها من أجل تغيير أوضاع استحال عليها تغييرها بطريقة سلمية، رغبةً منها وطموحاً إلى تحسين أوضاعها المعيشية والحياتية، ومن أجل التمتع بمزيد من الحرية التى تحافظ على كرامة الإنسان، فإذا لم يجد لذلك تحقيقاً فإنه يكفر بالثورة ويلعن اليوم الذى جعله يؤيدها ويقف فيها ويكافح ويضحى من أجلها.
إذا كان هناك فرق فى نظرى بين ما حدث فى 25 يناير و30/6 فهو أننا خرجنا من 25 يناير أكثر تماسكاً واتحاداً وأخوة، وخرجنا من 30/6 أكثر شرذمة وبغضاً بعضنا لبعض، وهذه هى المشكلة التى يعانى منها الشعب الآن، عدد القتلى من الجانبين كثير، اختلفت فيه الأرقام وإن كان الجميع أبناءنا، وقد هالنى ما تقوم به وسائل الإعلام من بث روح الكراهية بين الطرفين، الجيش والشرطة، وجزء من الشعب فى ناحية وجزء من الشعب فى ناحية أخرى، لقد أدهشتنى صور نشرتها إحدى الصحف اليومية لطفلين أحدهما أبوه من الشرطة أو الجيش والآخر أبوه من الإخوان، وقد صارا يتيمين بعد قتل والديهما فى المعارك الأخيرة بين الطرفين، وقد علقت الجريدة على هاتين الصورتين أن كل طفل منهما أهله يرضعانه كراهية إلى الطرف الآخر الذى حرمه من والده دون ذنب جناه، وهذا أمر خطير للغاية، لأن ميراث الكراهية هذا يمكن أن يمتد لأجيال قادمة، وغرسه فى هذه السن المبكرة يمكّنه من الإنسان ويصعب اقتلاعه، ولك أن تتصور طفلين ينشآن فى ظل هذا الجو.. هل يمكن أن يتعايشا معاً فى المستقبل، خاصة أنهما يعيشان فى بلد واحد وقد يكونان فى حى واحد بل فى بناية واحدة؟ هنا يمكن القول بأن شعب مصر يمكن أن ينقسم على بعضه إذا استمر الحال على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عنوان المقال يقول إن الطرفين يسيران فى الطريق الخطأ، وأعنى بالطرفين الحكومة والإخوان اللذين بمقدورهما الإجابة عن السؤال المطروح على الساحة من كل المصريين: مصر إلى أين؟ وماذا بعد؟ وإذا كنا فى عهد مرسى نطالبه باتخاذ الخطوة الأولى فى المصالحة باعتباره من بيده الأمر فى هذا الوقت، لأن من الطبيعى أن الشخص القوى هو الذى يبدأ بمد يده إلى الآخر، أما الآن وقد أصبح مرسى وأنصاره هم الطرف الضعيف، فإننا نطالب الحكومة بمد يد المصالحة أولاً إلى الإخوان بالبدء فى تهدئة الإجراءات الأمنية وتخفيف وطأتها والإفراج ولو مؤقتاً عمن لم يثبت حتى الآن تلوث يده بالدماء، وهم كثير على ما أعتقد، لأن ذلك سيؤدى بالضرورة إلى أن يستشعر الإخوان والموالون لهم الأمن، وعليهم بعد ذلك المسارعة إلى تخفيف حدة المظاهرات، ولكن للأسف ما نراه الآن من الجانبين هو تصعيد يزيد الموقف اشتعالاً، الحكومة ليس أمامها سوى الحل الأمنى وبعض الحلول القانونية أما الإخوان فإن التصعيد فى الشارع هو رائدهم حتى الآن، وهو ما يصعب ويزيد أيضاً الموقف اشتعالاً، ويسكب البنزين على النار، وقد كان أكبر هذا التصعيد فى 6 أكتوبر، عيد العبور الذى هو بلا شك عيد يشعر فيه كل مصرى بالفخر والحب لمصر ولشعبها وجيشها اللذين قدما التضحية من أجل كرامة الوطن، هو إذن يوم لمصر كلها وليس لفئة معينة، وكنت أتمنى أن يكون هذا اليوم يوم تلاحم ننسى فيه خلافاتنا ونندمج معاً فى الفرحة والابتهاج بهذا اليوم وتلك المناسبة، وأجمل ما فى هذا اليوم أنه يوم احتفال وفرحة فى مصر، ويوم نكد وحزن فى إسرائيل، ولذلك لم يكن الإخوان موفقين إطلاقاً فى محاولة تكدير صفو هذا اليوم الجميل.
هذا الذى قام به الإخوان فى يوم 6 أكتوبر أكبر دليل على أن قادتهم لايزالون يسيرون فى الطريق الخطأ، ويتخذون القرارات الخاطئة التى تزيد الموقف اشتعالاً وتقلل من رصيدهم لدى الشعب، هذا الرصيد الذى يمكن القول الآن إنه قد انتهى، وعليهم أن يبدأوا من جديد فى عمل رصيد جديد يمكّنهم من النهوض مرة أخرى.
حمى الله مصر من كل سوء