لماذا أيد الناس تدخل الجيش؟

عيدا عن الجدل الذى دار حول ما جرى فى مصر يوم 3 يوليو وما إذا كان انقلابا ناعما استند على انتفاضة شعبية هائلة رفضت حكم الإخوان؟ أم أنه مجرد رد فعل على انتفاضة الشعب ومحقق لأهدافها.

والمؤكد أن تدخل الجيش فى 30 يونيو فاق دوره فى ثورة 25 يناير، فقد لعب دورا حاسما فى عزل مرسى، ولعبت الدولة العميقة دورا مهما فى ترتيب مشهد ما قبل 30 يونيو، فى حين أن دور الجيش لم يتعد فى 11 فبراير 2011 حدود التخلى عن مبارك، وترك الأمور للعشوائية والتخبط، فكانت المرحلة الانتقالية الأسوأ فى تاريخ تجارب التغيير فى العالم كله.

وإذا كان دور المجلس العسكرى طوال ثورة 25 يناير باهتا ومرتبكا ويقترب من «لا دور»، ومع ذلك لم يخل من انتقادات كثيرة، فى حين أنه لعب دورا كبيرا فى حسم نتيجة انتفاضة 30 يونيو ودخل فى مواجهات عنيفة، الأسبوع الماضى، سقط فيها 54 قتيلا، ومع ذلك لم تتأثر شعبيته رغم ضرورة تشكيل لجنة مستقلة تحقق فيما جرى.

والمؤكد أن الفارق الرئيسى بين ما حدث فى ماسبيرو ومحمد محمود، وبين ما جرى أمام الحرس الجمهورى، أنه فى الحالة الأولى كنا أمام متظاهرين سلميين استخدم بعضهم الحجارة والعصى وليس الأسلحة النارية، وبالتالى نالوا تعاطف قطاع واسع من المصريين، أما فى الحالة الثانية فقد شهد الناس مسلحين إخوانا فى قلب المظاهرة أطلقوا النار على رجال الجيش، وبالتالى فقدوا كل تعاطف، وتحملوا وزر الدماء البريئة التى سقطت أمام دار الحرس الجمهورى.

والمؤكد أن فشل المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية جعل الناس لا تتقبل معظم تصريحاته وتبريراته للأحداث، فى حين أن الصورة الجريئة والمقدامة التى ظهر عليها الجيش قبل وبعد 30 يونيو جعلت الناس متقبلة دورة وتدخله فى المسار السياسى.

والمؤكد أن فكرة قيام الفريق السيسى بتحرك عسكرى لم تعرف عنه أمريكا شيئا، وحين عرفته- مثل المصريين- لم ترحب به، داعب فى وجدان الشعب قضية الكبرياء الوطنى والقدرة على عمل فعل من العيار الثقيل خارج الإملاءات الأمريكية.

فرغم اعتماد الجيش بصورة كبيرة على السلاح والمساعدات الأمريكية ورغم المخاطرة الكبيرة التى اتخذها السيسى بقراره عزل مرسى، والذى استلزم فعلا مبادرة جريئة لم يقم بأى منها سلفه المشير طنطاوى، إلا أنه فعلها بهدوء وحكمة أثارت إعجاب الناس ودعمهم.

لقد عاشت مصر تبعية مهينة للقوى الخارجية على مدار 30 عاما من حكم مبارك، كما أن حكم الإخوان، المدعوم من أمريكا، دفع بقطاع واسع من المصريين إلى البحث عن صورة المتحدى القوى من هذه التبعية الفجة، وجاء قرار السيسى بإنهاء حكم الإخوان ليخاطب هذه الصورة.

صحيح أن التبعية الاقتصادية والعسكرية لأمريكا لن تنتهى بأن يكون فى مصر رجال يرتبون لتحرك كبير بهذا الحجم خارج الإشراف الأمريكى، إنما ستنتهى بالعمل الجاد والتنمية الاقتصادية والسياسية.

انتفاضة الشعب وتحرك الجيش مجرد خطوة فى الاتجاه الصحيح، أما رد فعل الناس على هذا التحرك ودعمها له فيؤكد أن هذا الشعب فى داخله طاقة كبرى لو وجد قيادة تحسن استغلالها سيخرج أفضل ما فيه.