يوما بعد يوم يرفع بعضهم شعار «كتب علينا القتال فى ليبيا وهو كره لنا» ويطالبون الجيش المصرى بالتدخل فى ليبيا لإيقاف خطر الميليشيات المسلحة المتناحرة التى صارت تمثل خطورة شديدة على الأمن القومى المصرى خاصة عقب مجزرة الوادى الجديد التى ترجح مصادر متعددة تسلل من نفذوها عبر الحدود الليبية، والسؤال هل هناك خطر حقيقى يهدد مصر من الأوضاع الليبية؟ نعم هناك خطر هائل يتهدد مصر من حرب الميليشيات والفوضى الليبية الدامية لكنه لا يعنى بالضرورة الدخول فى مغامرة عسكرية غير محسوبة.
هناك فخ منصوب لمصر فى ليبيا وهناك قوى غربية ودول عربية تريد من مصر أن تحارب عنهم بالوكالة فى ليبيا، وهذا ما ينبغى الالتفات له وسط الدعوات المتصاعدة لتدخل مصر عسكريا مع التأكيد أنه مازال أمامنا فرصة للتدخل الناعم فى ليبيا لتهدئة الأوضاع وعمل مصالحة تمهد لاستعادة ليبيا لصورة الدولة المتماسكة التى تحجم الميليشيات المسلحة أو تدمجها.
ظلت مصر غائبة عن الشأن الليبى منذ اندلاع الثورة الليبية وتدخلت أطراف أخرى مثل تركيا وقطر ثم حلف الناتو وعقب سقوط القذافى لم تستطع مصر كسب مساحات نفوذ داخل المعادلة السياسية الليبية الجديدة ورغم تصاعد الاستعداء ضد ما يقرب من مليون ونصف مصرى يعملون فى ليبيا ظل موقفنا مترنحا بين الإدانة ومراقبة الأوضاع من بعيد وحين قررنا التدخل بدا تدخلنا باهتا عبر ما قيل من دعم الجنرال حفتر الذى لم يستطع حسم المعركة رغم الدعم الكبير الذى حظى به من دول عربية أخرى.
جر الجيش المصرى إلى ليبيا هو أمنية الجماعات التكفيرية المسلحة التى أنهكت عددا من الجيوش العربية وساهمت فى تفكيك دولها فكيف نمنحهم ما يريدون؟ أى خطر قائم الآن بسبب الوضع الحالى فى ليبيا هو أقل بكثير من الأخطار الهائلة والعواقب التى سيحدثها تدخلنا العسكرى المباشر فى ليبيا، ولا يجب أن نكون وكلاءً لأحد فى المنطقة وعلى المجتمع الدولى أن يتحمل مسؤوليته عما يحدث فى ليبيا فقد كان شريكا فى صناعته منذ تدخل قوات الناتو أثناء الثورة الليبية.
الموقف الغربى فى ليبيا قائم على المصالح الاقتصادية ونهب ثروات ليبيا المختلفة وضمان حصة من ثروات ليبيا لذلك لا يمكن أن نقبل أن يستخدمنا أحد لتحقيق مصالحه وأهدافه المستترة أما ما يخصنا من خطورة بالغة تهدد أمننا القومى عبر تدفق السلاح والإرهاب عبر الحدود فيلزمه التفكير فى استراتيجية جديدة لحماية حدودنا وإيقاف تدفق السلاح والإرهاب لا يعنى بالضرورة توريط الجيش المصرى فى حرب فى بلد لن يستطيع أحد الانتصار فيها بسبب طبيعتها الجغرافية والقبلية، فلتتوقف الأصوات غير المسؤولة التى تدق طبول الحرب وحين تحدث المأساة سيخرس هؤلاء ويختفون.
الدول تحمى أمنها القومى بامتدادات استراتيجية وأذرع سياسية واقتصادية وإعلامية فيمن حولها والقوة العسكرية صارت آخر الحلول لحماية الأمن القومى لأى بلد، مراجعة الملف الليبى وعلاج آثار الغياب الكامل عن الساحة الليبية خلال الفترة الماضية صار واجبا وطنيا لا يمكن تأخره، مصر فى خطر فلنفكر ألف مرة قبل أن نقفز للمجهول.