كثير من السياسيين «الليبراليين» و«اليساريين» حرضوا الجيش علناً، عقب الإعلان الدستورى الاستبدادى الذى أصدره مرسى، على التدخل المباشر فى العملية السياسية والانقلاب على حكم الإخوان، دون أن يقوموا بواجبهم السياسى فى إقناع الناس برؤيتهم وتوجهاتهم.
وحين كتبت فى 24 فبراير الماضى: «لا تراهنوا على انقلاب الجيش»، و«الجيش ليس حزبا»، رافضا هذا التحريض الذى مارسه بعض رموز التيارات المدنية على تدخل المؤسسة العسكرية فى العملية السياسية، وداعيا إلى عدم توريطه فى مستنقع السياسة، اعتبره البعض تحليلا انهزاميا وانحيازا للإخوان، وأذكر أنى كتبت أكثر من مرة أن الجيش لن يتدخل إلا بعد أن تصل البلاد إلى حافة الحرب الأهلية الحقيقية، ويصبح كيان الدولة مهددا بالانهيار الكامل.
والحقيقة أنى قلت، فى ذلك الوقت، إن تدخل الجيش سيكون فقط «فى حالة دخول مصر مرحلة تفكك وانهيار للدولة، واندلاع حرب شوارع بين الفصائل السياسية المختلفة، ووجود ثمن باهظ سيدفعه الشعب المصرى من دماء أبنائه ومستقبله، ومن غير المؤكد أن يخرج منه، وحتى لو حاول الجيش أن يحول تدخله (الإنقاذى) إلى حكم سياسى فسيجد بلداً يحتاج إلى معجزة لإنقاذه».
والمفارقة أن ما قامت به بعض التيارات المدنية من تبرير للعنف والفوضى وقنابل المولوتوف، لأن من فى الحكم كانوا الإخوان، عاد الطرف الأخير ولم يكتف بتبريره، إنما مارسه بنفسه، لأنه انتقل من الحكم إلى المعارضة، وكأن خطاب المراهقة الثورية والكراهية وتبرير العنف يتوقف على موقع كل تيار من السلطة، فإذا كان فى الحكم فهو ضدها، وإذا كان فى المعارضة فهو معها، وعلى استعداد أن يبرر العنف والتدخل الأجنبى من أجل إسقاط خصمه.
والحقيقة أن تحريض بعض التيارات المدنية للجيش على التدخل فى العملية السياسية، دون أن تحرص هى على القيام بدورها وسط الناس، هو امتداد لنفس الطريقة فى التحريض على العنف كبديل للعمل السياسى المدنى، فالمهم هو إسقاط من فى السلطة، بصرف النظر عن الوسيلة المستخدمة وتداعياتها. إن تدخل الجيش المبكر، يوم 3 يوليو، بعزل مرسى بقى لغزا لم أجد تفسيرا له بعد إلا إذا كان مرسى قد قرر عزل وزير الدفاع، فتدخل الجيش سريعا على طريقة: «نتغدى به قبل أن يتعشى بنا»، فكل المؤشرات تقول إن الجيش لم يتدخل بانقلاب خشن ليحكم، إنما تدخل لإنقاذ بلد من الانقسام ومن خطر الحرب الأهلية، ولكنها فى كل الأحوال لم تكن قد وصلت إليها، وكثير من الناس لم يكونوا مقتنعين بأننا سنصل إليها، والبعض الآخر رأى أنه كان من الأفضل أن يتدخل متأخرا، حتى تتضح الصورة ونرى قسوتها ويتأكد الجميع، خاصة حسنى النية، أن مرسى وجماعته لم يكونوا على استعداد لمغادرة السلطة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مهما كانت الظروف، حتى لو حرق البلد كله، فالشرعية لو انهارت سياسيا وأخلاقيا تحمى بالدم، كما قال الرئيس السابق.
توقعى وتوقع الكثيرين أن الجيش كان سيتدخل، ولكن فى ظروف أصعب من التى شاهدناها فى 3 يوليو، (على صعوبتها)، ولكنه تدخل وحسم الأمر بعزل مرسى، وبقى السؤال: هل كان التوقيت مناسبا أم مبكرا؟ قد نجد الإجابة فى الأيام القادمة.