يقول محللون إن الغرب يسعى للحد من استفزاز الرئيس اقبل عدة أشهر كانت الولايات المتحدة دائمة الترديد لمقولة ''انتصرنا في الحرب الباردة'' على الاتحاد السوفيتي السابق الذي تفكك إلى مجموعة جمهوريات مستقلة في مطلع تسعينات القرن الماضي، لكن بوصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقادة حلف شمال الأطلنطي الناتو إلى ويلز الخميس لحضور قمة استثنائية هدفها الرئيسى: ''حماية الأعضاء الضعفاء في الحلف من روسيا دون استفزاز موسكو ودفعها للقيام بعمل عسكري''.
ويبحث أعضاء الناتو في اجتماعهم الاستثنائي كيف يمكنهم كبح جماح طموحات روسيا الإقليمية، لكن دون حصول مواجهة باهظة التكاليف خاصة على الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من أزمات اقتصادية منذ سنوات.
لكن الأوضاع أصبحت على شفير الهاوية، مع تقدم الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة شرقا نحو مجال نفوذ موسكو القديم، وإظهار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده لاستخدام القوة العسكرية لصد ذلك بما يلائم الأهداف الاستراتيجية لموسكو.
ويخشى كثيرون من التورط في دوارة الفعل ورد الفعل والتي قد تتصاعد لتصل إلى سيناريو كابوسي يتمثل في حصول مواجهة عسكرية بين الجيش الروسي الذي يمتلك أسلحة نووية والقوات الناتو التي تمتلك أغلب أعضاءه السلاح النووي ايضا.
وأعلن الناتو يوم الاثنين الماضي عن خطط لنشر سريع لقوات وتخزين ذخائر وتوفير الحماية لبولندا وغيرها من أعضاء الحلف في أوروبا الشرقية التي تشعر بأنه يمكن أن يحري معها ما جرى مع أوكرانيا وتتدخل روسيا تحت ذريعة حماية المتحدثين بالروسية في تلك البلدان.
وفي اليوم التالي، أعلن مسؤول عسكري روسي أن موسكو قد تراجع استراتيجيتها بناء على تقييم ''تغير الأخطار والتهديدات العسكرية''، بحسب ما أوردت وكالة انترفاكس الروسية.
ويصر الغرب على اتهام روسيا بالتدخل عسكريا في شرق أوكرانيا، وذلك بعد أن التهمت شبه جزيرة القرم في مارس الماضي ردا على الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش الموالي لروسيا، وهو الاتهام الذي نفته روسيا مرارا.
ورغم النفي الروسي المتكرر لذلك، يقدر الناتو أن ألف جندي روسي على الأقل دخلوا أوكرانيا لمساعدة الانفصاليين الموالين لموسكو، بحسب آخر بيان لاجتماع الحلف مطلع أغسطس المنصرم.
وتصاعدت المواجهة بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة، وبين روسيا، حيث فرض الطرف الأوال عقوبات اقتصادية وتجارية على موسكو التي ردت بتغذية النزعة القومية في مناطق شرق أوكرانيا ذات أغلبية تتحدث الروسية، كما مارست ضغوطا اقتصادية خاصة على أوروبا في مجال الغاز.
''نوع جديد من الحروب''
من جانبه قال الجنرال فيليب بريدلاف، القائد العام لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، لصحيفة ألمانية ''إذا اتخذت موسكو خطوات لزعزعة استقرار دول البلطيق الأعضاء في حلف الناتو - مثل لاتفيا التي يعتبر 27 في المئة من سكانها أنفسهم مواطنين روس- فإن ذلك سيعتبر هجوما على كل أعضاء الحلف بموجب المادة الخامسة من معاهدة 1949 التي أسست حلف الناتو''.
وقال جورج بينيتز، الزميل البارز والمتخصص في شؤون حلف الناتو بالمجلس الأطلسي الأمريكي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، لوكالة أسوشيتد برس، ''بموجب المعاهدة، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن مدن ريغا وبرلين وريتشموند''.
وقالت لجنة الدفاع بمجلس العموم البريطاني في التقرير الذي أصدرته في يوليو الماضي إن دول الناتو باتت مهددة الآن بقدرة روسيا على شن نوع جديد من الحروب التي تمزج بين العناصر العسكرية وغير العسكرية وتشمل حملات التوجيه التي تشنها وسائل الإعلام الاجتماعي وإثارة الاضطرابات المدنية واستخدام قوات التمويه أو التحرك دون إشارات مميزة.
وقال مسؤول بارز في الناتو، لأسوشيتد برس، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، أول أمس الاثنين إن تعزيز قدرات التحالف لمواجهة الحرب ''الهجينة'' أو ''غير النظامية'' واحدة من جملة مقترحات سيناقشها أوباما وقادة دول الناتو السبع والعشرون في اجتماعهم جنوب ويلز.
حذر
ورغم التعهدات ببذل المزيد من الجهد لحماية دول المواجهة في التحالف، بدا أن قادة الناتو عازمين على الحد من فرص استفزاز بوتين وجنرالاته، لتجنب مواجهة عسكرية قد تفرض نفسها على جميع الأطراف، بحسب محللين.
ولعل أبرز هذه الخطوات غير الملموسة التي يمكن أن تسهم في الطابع الحذر كان الاحتفال بالذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى، التي استمرت أربع سنوات التي يعتقد مؤرخون أن القوى الأوروبية العظمى اتخذت القرار بشأنها قبل التفكير في عواقبها.
وقال دبلوماسي مصري عمل من قبل في موسكو ويتولى الآن منصبا رفيعا في وزارة الخارجية، إن طرفي الأزمة يمارسان ضغوطا على بعضهما البعض، مع تجنب الوصول إلى ''نقطة المواجهة'' المباشرة.
وأوضح أن روسيا بعد أن خسرت الجولة الأولى من صراعها مع الغرب بسقوط الرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا، عملت على أن تعكر الفوز الذي ناله الغرب بتأجيج النزاعات في المناطق الشرقية في أوكرانيا وأغلبيتها من أصول روسية، وتمكنت من ''رد الصفعة'' للغرب بضم شبه جزيرة القرم.
وأشار إلى أن العقوبات الغربية على روسيا وإن تركت تأثيرا على اقتصادها إلا أنها بدأت في الرد بتوجه دعم قوي للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وهددت بوقف ضخ الغاز الذي يشغل مصانع أوكرانيا وأغلب بلدان أوروبا تعتمد عليه، بحسب قوله.
من جانبها، قالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل أمام البرلمان الألماني: ''سنقرر في قمة ويلز الإجراءات التي ستعزز رد فعل التحالف وقدراته الدفاعية''. وتحاول ميركل، بحسب ما أوردته مجلة دير شبيجل على موقعها الإلكتروني، من خلال ذلك التأكيد على أن الناتو حريص على الالتزام بتعهداته التي قطعها في أوقات تحسن العلاقات مع روسيا.
وتشتمل تلك التعهدات على عدم تمركز عدد كبير من الجنود في محيط النفوذ السوفيتي السابق في شرق أوروبا.
هذه التعهدات جزء من الاتفاق التأسيسي لمجلس الناتو- روسيا عام 1997، الذي قالت ميركل إنه ''يتسم برؤية ثاقبة لإمكانية تحقيق الأمن في أوروبا من خلال التعاون لا المواجهة. كان هذا، ولا يزال، معتقدنا الراسخ''، بحسب نص كلامها.
البحث عن تهدئة
وفي باريس قال مسؤولون مقربون من الرئيس الفرنسي فرانسو أولاند، في تصريحات لصحفيين نشرتها صحيفة لوفيجارو، أن أهداف فرنسا من القمة، تركز على أنه ينبغي على الناتو البحث بشكل حثيث على ''مسار تهدئة في النزاع الروسي - الأوكراني، ومزج الضغط على روسيا برغبة مستمرة في التفاوض حول مخرج سياسي للأزمة.
والنتيجة، كما قال بينيتز، هي أن دول شرق الناتو تحظى بوجود دائم وواسع النطاق للتحالف الذي كانت تطالب به - أو مئات الآلاف من الجنود وكتائب الدبابات التي نشرها الناتو في ألمانيا الغربية للدفاع عنها من حلف وارسو الذي يقوده السوفييت.
وتابع بنيتز ''سيلعب الدبلوماسيون والحمقى لغويا بمصطلحات مثل 'التواجد المستمر'، لكن خلاصة القول هي أنه في حين سيكون هناك الآن قوات حلف شمال الاطلسي تقوم بتدريبات في أراضي الحلفاء الشرقيين عمليا كل يوم، ستكون عمليات الانتشار هذه قصيرة الأجل وعلى نطاق أقل مما يشعر الحلفاء المهددون بأنه ضروري''.
ويعتقد المحلل الدفاعي أن الحلف يحتاج إلى مزيد من سياسة القوة للتحقق من طموحات بوتين.
وأشار بنيتز الى تقرير إعلامي عن ألعاب الحرب التي جرت مؤخرا على كلا جانبي الحدود الروسية مع الحلف، وتساءل بشكل بلاغي ''هل 6000 آلاف جندي يتدربون في بلدك يجعلونك تشعر بالأمان من 150 ألف جندي روسي يتدربون على حدودك؟''.
من جانبهم، أوضح مسؤولون في الحلف وممثلون لأعضائه أنهم يعتقدون أنه ذلك ليس وقتا لإعادة ترسيم خريطة أوروبا، بسبب التأثير السلبي الذي يمكن أن يحدث للمناخ السياسي الذي لا يمكن التنبؤ به بالفعل.
ولفتوا الى التحديات الأخرى التي تواجه الدول الأوروبية من تهديدات بالإرهاب تواجهها دول رئيسية في الاتحاد الأوروبي كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة الى الأزمات الاقتصادية في دول مثل اليونان والبرتغال.
مساع للانضمام للناتو
في قمة الحلف في 2008 في بوخارست برومانيا، توافق الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حينئذ مع قادة الناتو على أن أوكرانيا وجورجيا سيسمح لهما يوما ما بالانضمام للحلف.
وأوكرانيا وجورجيا جمهوريتان سابقتان في الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، وتنظر لهما روسيا على أنهما جزء من ''الخارج القريب''، بحسب الاستراتيجية الروسية التي تحدث عنها المحللون.
وقال رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك الأسبوع الماضي إنه سيقدم مشروع قانون إلى برلمان البلاد يقترح فيه أن تزيح أوكرانيا حالة عدم الانحياز وتسعى لعضوية حلف الناتو.
لكن الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن أثناء حديث للصحفيين الاثنين الماضي تهرب من الإجابة عن سؤال عن متى بالتحديد قد يمكن أن يسمح لأوكرانيا بالانضمام للناتو؟، قائلا إن الأمور في ''مرحلة مبكرة من العملية''.
واستبعد مسؤول في الحكومة الفرنسية بشكل قاطع السماح لأوكرانيا أو جورجيا في هذه المرحلة، وقال ''الناتو، وتحركاته، يجب ألا تساهم في التوتر أو تفاقم المناخ في جميع أنحاء أوكرانيا''.