اضطراب الموقف الروسي إزاء ثورات الربيع العربي

كثير من المراقبين للدور الروسي تجاه ثورات الربيع العربي أصابتهم نوبات الفزع والرعب جراء تردد واضطراب المواقف الروسية تجاه متغيرات منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص، وبالأخص تجاه «حمى الرومينو» التي أفضت الى تساقط اهم انظمة المنطقة العربية في آسيا وافريقيا منذ مطلع العام الماضي، ابتداءً بتونس، مروراً بمصر وليبيا واليمن والمخاض الدامي تشهده سوريا اليوم. أعراض الاضطراب
غرابة الموقف الروسي، واضطراب تقدير حكام روسيا، تكمن في انفصام، الموقف الروسي تجاه المتغيرات العربية، والتعاطي المضطرب معها بشيئ من الشك والريبة على اعتبار أن المتغيرات آتية كمحصلة لمؤامرات اقليمية ومسنودة من توجهات دولية، وربما تهكم بعض المحللين الاستراتيجيين الروس في قراءتهم لأحداث المنطقة العربية على أنها حصيلة مؤآمرات ومخططات وامبريالية امريكية بريطانية فرنسية المانية الى آخر المعزوفة البروليتاريا التي سبق ورددناها أشبه باعضاء نادي رياضي وهي بروفة النشيد الوطني بعيداً عن القراءة الموضوعية للمتغيرات التي شهدها العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وما تلى ذلك من تداعيات دولية.
وبيت القصيد، في الرؤية الروسية لأحداث المنطقة العربية تكمن في القراءة العرجاء لواقع نظم قمعية بوليسية حكمت شعوبها بالحديد والنار والارهاب تارة، والأزمات الاقليمية والدولية كما كان الحال في جماهيرية ليبيا، خلال طغيان معمر القذافي، وبنفس الوتيرة من الأزمات حكم صدام حسين في العراق، ودمر مقدرات شعبه والشعوب المجاورة له، من حرب ايران 80/1988م ضد احتلال الكويت اغسطس 1990م، وكذلك حافظ الأسد منذ أواخر الستينات حتى تُوفي واحتل مقعده نجله بشار وبنفس المنهج، وكذلك حكم علي عبدالله صالح منذ يوليو 1978م وحتى أسقط بمبادرة خليجية كحل توافقي بعد أن اختلق ازمات لا حصر لها، وإن كانت أزمات اغلبها نحلية، ولكن ضحاياها كثير يقدرون بعشرات الآلاف، ابتداء بحروبه المبطنة بالدفاع عن الوحدة اليمنية في حرب ابريل 1994م حتى يوليو من نفس العام، وانتهاءً بحروبه الستة المفتعلة في صعدة من عام 2004م وحتى عام 2010م وسواها من الحروب القبلية والازمات التي يصعب حصرها، التي أودت بعشرات الآلاف من الضحايا، هؤلاء الحكام الذين حكموا شعوبهم بالأزمات تارة والقمع والارهاب تارة أخرى، يفترض بأن روسيا الاتحادية كدولة عظمى بمعاهدها ومراكزها وأبحاثها واكاديمياتها المتخصصة بالشرق الأوسط تمتلك رؤية دقيقة لمستقبل المنطقة لأنها مبنية على معلومات استخباراتية وتحليلية لمستقبل المنطقة وما ستفضي إليه انفجارات الأوضاع حاولت روسيا أو سواها من الابقاء على طغاة الحكم، محتلين لكراسي السلطة في بلدانهم.
دوافع الموقف الروسي
للموقف الروسي اسباب ومبررات قد نتفق مع القليل منها أو نتعاطف مع بعضها، لأنها تلامس، بعض التوجهات الاقليمية او الدولية تجاه ثورات الربيع العربي، ولكن ما ان تخضع هذه القراءات لمنطق العقل، تجد انها لا تصمد امام حقائق طغيان النظم العربية والارهاب الذي مارسته بحق شعوبها، كونها حقائق منسية أو مهملة نهائياً من قبل حكام روسيا ونحللها على حد سواء.
وخذ على سبيل المثال قراءة اغلب الساسة الروسيين ومحللي روسيا المختصين بالمنطقة العربية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص فرؤية أغلبهم تكرس تقولات سطحية على أن الغرب، صعد حرب على المنطقة العربية، هي حرب إعلامية بدرجة اساسية، مستغلاً الثورة التقنية من وسائل الاتصال وخاصة الانترنت وتحركات التواصل الاجتماعية، مثل نظام الفسبوك وتوتير وأشعل حربه على النظم العربية، وحقيقة مثل هذه القراءة لا تصمد امام ممارسة النظم القمعية العربية التي سفكت دماء عشرات الآلاف في سبيل بقاء طغاتها على كراسيهم، بعيداً عن محاسبة الشعوب جراء ما اقترفوه بحق مواطنيهم، قد يكون لعامل الصراعات الاقليمية الدائرة بين ايران من جهة والسعودية وقطر، وبقية دول الخليج دور معين، وتعاظم عائدات النفط، وطموح الكثيرين من حكام الخليج لأداء دور اقليمي مستغلين مثل هذه الأموال، ولكن اهمال معاناة الشعوب والتغاضي عن فساد النظم العربية امراً لا يقبله منطق او عقل ناهيك عن دولة عظمى مثل روسيا الاتحادية التي يفترض أن تكون ركناً أساسياً من بنيان المنظومة الدولية.
المصالح الروسية
المراقبون الروس اختزلوا مصالح روسيا في مبيعات الاسلحة التقليدية للشرق الاوسط وللجمهوريات العربية، خاصة، ورتبوا مواقفهم على اساس ان تغيير المنطقة العربية ستوقف مبيعات الاسلحة الروسية وخاصة الطائرات الروسية ومنظومات الدفاعات الجوية انطلاقاً من فرضيات تقوم على اساس ان النظم التي شكلت البديل للحكام العرب علقت دعماً غربياً واقليمياً خليجياً حتى وصلت الى سدة الحكم ولم تكن محل ترحاب روسيا وعلى الاقل كل رضا حكام روسيا وبالتالي منظومة الاسلحة التي كانت تستوردها من روسيا ستتوقف لأنها ستغير عقيدتها العسكرية من العقيدة الشرقية الى العقيدة الغربية، هكذا قرأ الخبراء الروس مستقبل المنطقة العربية بحيث اكد احد خبراء الاسلحة الروسية ان انظمة الطائرات والدفاعات الجوية ستتغير في الجمهوريات العربية، وخاصة اليمن وليبيا واحتمال تغيير النظام في سوريا، وستتوقف بالتالي مبيعات الأسلحة الروسية عدا الجزائر ومع تسليمنا بشيء من هذا القبيل ضمن توجهات النظم الغربية.. وبالتالي نتساءل أليس الأجدر بساسة الخارجية الروسية تغيير مواقفهم تجاه عملية التغيير العربية اذا كانوا حريصين على استمرار روابط الود بين نظام روسيا ونظم الربيع العربي؟!
ألم يكن يجدر بهم ان يجاروا عملية التغيير حرصاً على بقاء مصالحهم؟! واذا كانوا يحرصون عليها أفضل من تمسكهم الاسطوري بطغاة أكل الدهر على رؤوسهم وشرب.
أسئلة عديدة تتبادر الى ذهن المتتبع لضحالة المواقف الروسية وقراءتها العمياء لمستقبل المنطقة العربية.
هل نحن بحاجة الى روسيا؟
الكثير يعتقد ان الموقف الروسي بل والتواجد الروسي في المنطقة العربية أمر ضروري لأن تفرد امريكا والغرب بمستقبل المنطقة العربية أمر خطير وتاريخ الصراع يؤكد خطورة مثل هذا التفرد لاسيما مع غياب نظم إقليمية عربية تمتلك رؤية ليبرالية لمستقبل المنطقة، وتمتلك نفوذاً دولياً يوازي على الاقل النفوذ التركي الايراني المتنامي داخل المنطقة يقابله تراجع مخيف لنظام إقليمي عربي فعال يغطي الفراغ العربي الناتج على أثر غياب الدور المصري الفاعل وتساقط نظامي بغداد ودمشق اللذين كانا يشكلان مع مصر العربية جوهر المنظومة الاقليمية العربية.