وسط أجواء سياسية حُبلى بالمفاجآت والتكهنات والمخاوف، وبالتزامن مع تشكل ملامح «الجمهورية الجديدة»، وصل الاستقطاب السياسى والاجتماعى بمصر مرحلة تقتضى التوقف حيالها ودراستها من زواياها كافة لمحاصرتها مبكراً، خاصة أن الأمر لم يعد يقتصر على ثنائية (إسلامى مدنى)، لكنه تجاوزها لاستقطابات فى دوائر «الإسلام السياسى» بين الإخوان وحلفائهم، والتيارات السلفية، والأزهر والطرق الصوفية. وفى الجانب الآخر يحتدم الصراع حول «ضبط المصطلحات» بشأن أحداث 25 يناير، فهناك من يرونها مؤامرة، ومن يعتبرونها ثورة بامتياز، ومن يصفونها بالثورة المختطفة، وصولاً للذين يتبنون «موقفًا مركبًا» بأنها استغلال خارجى لظروف داخلية.
وجاءت إعادة محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك فيما يسمى «محاكمة القرن»، لتسهم بتعميق الانقسام السياسى، ولننتظر كلمة القضاء النهائية يوم 27 سبتمبر المُقبل، فمشهد «الخريطة المدنية» يبدو أكثر تعقيدًا من خريطة الصراع الواضح بين القوى المدنية و«الإخوان» وأنصارهم، وهنا يكمن الخطر الذى ينبغى إدراكه، فالبلاد تتأهب للاستحقاق الأخير بخريطة الطريق، بانتخابات برلمانية يسود اتفاق باعتبارها الأخطر بتاريخنا المعاصر. وباستقراء المشهد برمته ومستنداته ودفوعه وملابساته يمكن للمرء التأكيد بضمير مرتاح أن «استقلال القضاء» تجلى بأروع صوره فى محاكمة مبارك، لكن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى ترجمت مدى «عمق الاستقطاب»، الأمر الذى يُنذر بمخاطر تسلل عناصر مُريبة للبرلمان المُقبل، فالمال السياسى حاضر بوضوح بالميديا، ممثلاً بهذا العدد الكبير من الفضائيات والصحف الخاصة، و«دوائر المصالح» نجحت فى اختراق التيار المدنى وتشرذمه، مما يُهيئ «الشارع العاطفى» لاختيارات مرتبكة، ليصبح البرلمان الجديد «حصان طروادة» الذى يحمل داخله انتهازيين ومتأسلمين، وغيرهم من العناصر التى ربما تسىء استغلال السلطات الواسعة التى منحها الدستور للبرلمان. وبالنظر لهذه الاعتبارات والمشهد الملتبس أدق جرس إنذار مُبكر، بضرورة «المصالحة المجتمعية» لدى التيار المدنى، لقطع الطريق على المتربصين بمستقبل مصر، فالمعركة ما زالت مستمرة، وأخطر أدواتها تعميق الاستقطاب، وتفتيت الأصوات، وإعادة إنتاج تجارب انتخابية سلبية بعهد الإخوان، ولندع القضاء يقول كلمته سواء بحق مبارك ورفاقه، أو مرسى وإخوانه، ونتعلم الدرس القاسى الذى كاد يعصف بالبلاد والعباد.
اللهم قد بلغت