عزيز، ناصرى الهوى، عروبى التوجه، وجه إلىَّ السؤال الآتى: ما مشاعرك بالضبط نحو كاتب مصرى لعمود يومى فى جريدة مرموقة، جند نفسه للكتابة عن غزة منذ أن وقع عليها العدوان الإسرائيلى الهمجى، وتفرغ لهذه المهمة تماما، فلم يكتب عن أى موضوع آخر على مدى أسابيع عديدة متوالية؟.. وكان جوابى هو أننى لا أملك إلا أن أشد على يد كل كاتب مصرى يقف إلى جانب الشعب الفلسطينى ويدافع عن حقه المشروع فى مقاومة الغاصب المحتل.. حينئذ قال صديقى: حتى إذا كان لذلك الكاتب نفسه مشروع آخر يزاحم مشروع المقاومة ويسبقه فى الأولوية؟ ولعل ذلك المشروع هو الدافع وراء هذا التفرغ الذى لا نجد لديه مثيلا لدى أى كاتب مصرى على الإطلاق، رغم أن فى مصر كتابا كثيرين لا يقلون إيمانا بعدالة القضية عن الفلسطينيين أنفسهم!! وكان جوابى: نحن لا نفتش فى النوايا ولا فى الضمائر، لأن الضمائر لا يعلمها إلا الله، وما دام ذلك الكاتب قد أعلن أنه مع المقاومة فنحن معه فى ذلك قلبا وقالبا.. قال صديقى: دعنا إذن نصغ السؤال بطريقة أخرى، لعلنا حينئذ سوف نصل إلى رؤية أكثر دقة وأكثر اقترابا من الحقيقة: إذا افترضنا أن الذى يتصدر مشهد المقاومة حاليا ليس هو منظمة حماس وذراعها العسكرية: كتائب عزالدين القسام (كما هو حادث حاليا فعلا)، ولكنه كان من روادها التاريخيين وفى مقدمتهم: فتح، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وإذا افترضنا- استكمالا للصورة- أن الذى يحكم مصر حاليا هو جماعة الإخوان المسلمين التى أطاحت بها انتفاضة أو ثورة يونيو (سمها ما شئت) بعد أن ساندتها القوات المسلحة.. هل تعتقد أن ذلك الكاتب كان سيجند نفسه حينئذ للكتابة عن المحنة الفلسطينية- التى هى محنتنا جميعا- بنفس الطريقة التى جند نفسه بها حاليا؟ أم أنه كان سيسلك مسلكا آخر؟.. قلت لصديقى: هذا سؤال يصعب جدا أن نجيب عنه، لأن بوسعنا فقط أن نتكلم عما حدث، أما الذى كان يمكن أن يحدث فذلك ضرب من التخيل الذى يستحيل علينا أن نتحقق من صدقه، ثم أضفت قائلا لصديقى: وحتى فى مجال الكلام عما حدث.. نحن دائما نختلف فى وصفه.. حتى لو كنا «شهود عيان» عليه.. لأن ما حدث يتلون دائما بلون عين من يراه، ولهذا السبب تختلف الروايات عن نفس الواقعة مع أنها واقعة واحدة! وقد تصورت أننى بتلك العبارة الأخيرة قد وصلت بحوارنا إلى نقطة النهاية، لكن صديقى فاجأنى بقوله: من هنا بالضبط نبدأ.. إننى أستشهد بما سبق أن كتبته أنت شخصيا عن ذلك الكاتب وما وصفته به من أنه كاتب يطل على العالم من ثقب تعترض مساره عدسة ملونة برؤياه الأيديولوجية (التى هى نفسها مع اختلافات يسيرة أيديولوجيا جماعة الإخوان وحركة حماس)!! وتلك كما نعلم لم تكن قط من رموز الريادة فى تاريخ المقاومة الفلسطينية، بل إنها التحقت بركبها متأخرة عنها عشرين عاما على الأقل!! لماذا تصدرت الآن مشهد المقاومة؟ الجواب: لأسباب شتى، منها أنها هى التى تتلقى الجزء الأكبر من التمويل والتسليح الذى يتدفق عليها من دول وجماعات معينة لكل منها أجندته الخاصة، وقد وجدت تلك الدول والجماعات فى حماس ضالتها باعتبارها الحركة التى ازدوج لديها المشروعان: مشروع المقاومة ومشروعها الأصلى (الدولة الإسلامية كما تتصورها هى)، وقد تحول المشروع الأول عندها إلى مجرد وسيلة لتحقيق المشروع الثانى، وهذه هى المأساة!! أظن أن كلام صديقى قد أفحمنى!